المؤلف: مرکز یارا
إن العنف القائم على النوع الاجتماعي ظاهرة عالمية تزداد انتشاراً واتساعاً بعد تطور التكنولوجيا ونمو منصات شبكات التواصل الاجتماعي، وقد تركَ آثاره على نشاط المدافعين عن حقوق الإنسان، خصوصاً النساء بينهم، والأقليات الجنسية/القائمة على النوع الاجتماعي، حول العالم. وعلى رغم اتساع هذا النوع من العنف وكبر حجمه، فإن نتائجه لا تزال تتعرض للتسخيف وتُعتَبر غير ذات شأن ومقُتصِرة على “العالم الافتراضي”، وكأن تلك الهجمات لا تترك أثرها في الحياة الحقيقية لناشطي/ات حقوق الإنسان أو كأنها منفصلة عن العنف في العالم الحقيقي.
يميل الخطاب العام إلى الفصل بين التضييق عبر الانترنت والعنف الجسدي والجنسي حيال النساء، ويتجاهل حجمه ومخاطره، مع العلم أن التضييق والتحرش المتحيز جنسياً/الجنسي الالكتروني هو امتداد للأشكال الأخرى من العنف المُمارَسة على النساء في الفضاءات الحقيقية ويتطلب انتباهاً إليه وحلولاً وأفعالاً حاسمة. إن العنف الرقمي ينشأ من، ويستولد، الأعراف الاجتماعية نفسها وممارسات التمييز البُنْيوية التي تؤدي إلى دونِية النساء وتُديم تلك الحالة.
ووفق خلاصات تقرير للأمم المتحدة، تتعرض النساء لمضايقات عبر الانترنت 27 مرة أكثر من الرجال، و73 في المئة من النساء اختبرن العنف الالكتروني. أضِف أن العنف بحق النساء يمكن أن يبدأ من الفضاء الالكتروني ويقود في النهاية إلى عنف حقيقي وجسدي، والعكس صحيح. وتفيد المنظمات المدافعة عن حقوق النساء بوجود صلة واضحة وذات معنى بين العُنْفَين عبر الانترنت وعلى أرض الواقع. وتعيش امرأة واحدة من أصل خمس نساء في بلدان تفتقد إلى قوانين رادعة في ما يتعلق بالعنف القائم على العنف الاجتماعي، وتلك الهجمات الرقمية تبقى عادة من دون ملاحقة. وتعترف الأمم المتحدة بأذى العنف في العالم الافتراضي وتشدد على أن مواجهته ومنعه يجب أن يكون لها المستوى نفسه من الأهمية في ما يتعلق بالعنف غير الافتراضي.
العنف عبر الانترنت كأداة لقمع المدافعات عن حقوق الإنسان وإخافتهن
وإذ تكبر المشاركة السياسية للنساء في الفضاء الافتراضي وينمو حضورهن، يزداد استخدام العنف الجنسي/القائم على النوع الاجتماعي عبر الانترنت كأداة ضغط وإخافة في وجههن. وعام 2018 جاء في بيان عن المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن “هذه الأشكال الجديدة من المضايقات والترويع والتشهير متكررة الحدوث بطريقة صادمة، وغالباً مرعبة، وفي الغالب تنتقل إلى العالم الحقيقي. إن التهديدات بالموت، والتهديدات بالعنف الجنسي وذاك القائم على النوع الاجتماعي، والتشهير الالكتروني وحملات المعلومات المضلِلة – والتي غالباً ما تكون ذات طبيعة جنسية وتتضمن عناوين الضحية – تُستخدم لترويع النساء اللواتي يرفعن الصوت وترهيبهن. إن التواصل الكبير والعابر للحدود عبر الانترنت يتيح انتشاراً سريعاً وكبيراً للتشهير ويُحرِّك مجموعات كبيرة من الأفراد العدائيين عبر مسافات شاسعة، والذين يختبئون خلف حسابات مجهولة. وهذا يجعل التخلص من المضمون الخاطئ أو العنيف تحدياً كبيراً”.
وواصل البيان: “إن الناشطات المكسيكيات العاملات في الحقوق الجنسية والصحة الإنجابية استُهدفْن بتهديدات بالموت، ومضايقات في الفضاءات العامة، وأعمال تخويف، بما فيها ما يهدد أولادهن. وفي فيتنام، وبعد سلسلة من الهجمات الالكترونية، تعرضت الناشطة البيئية لي مي هانه لاعتداء جسدي العام الماضي، وانتشر على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي فيديو الهجوم عليها. وفي الهند، قُتلت العام الماضي غوري لانكيش، وهي صحافية نشرت انتقادات للتطرف الهندوسي، وذلك بعد موجة من الدعوات عبر الانترنت للعنف حيالها، كما تلقت زميلتها رنا أيوب آلاف رسائل الكراهية، بما فيها اتصالات تهددها بالاغتصاب الجماعي والقتل، مع نشر رقم هاتفها وعنوان منزلها”.
تأثير الهجمات المتحيزة جنسياً/الجنسية ونتائجها
إن غاية هذه الهجمات إسكات النساء. وتهدف الحملات الالكترونية على النساء المدافعات عن حقوق الإنسان والمنظمات العاملة معهن إلى تقويض مصداقيتهن كناشطات، وتقليص قوة أصواتهن وطمسها، وتقييد الفضاء العام المحدود بالأصل الذي تستطيع النساء الناشطات التحرك فيه وإحداث فرق. من جهة أخرى، لتلك الهجمات نتائج نفسية شديدة في ما يتعلق بالصحة العقلية والجسدية. وتحدثت نساء كثيرات ممن تعرضن لعنف عبر الانترنت عن مشاعر بالقلق والخوف وسواها. ويُمكن للهجمات الافتراضية أن تُحدث خللاً في الحياة اليومية للضحية من خلال اضطرابات في النوم والأكل. وبالإضافة إلى ذلك، فإن نشر الأكاذيب الخبيثة، والصور الحميمة وتلك ذات الطبيعة الجنسية الواضحة، والمعلومات عن الناشطات في مجتمعات مُحافظة وأبوية، يضعهن كذلك أمام صدمات نفسية طويلة المدى وأنواع متعددة من الأذى، بينها النبذ الاجتماعي والعزلة.
وفي استطلاع أجرته منظمة العفو الدولية في ثمانية بلدان، أن 41 في المئة على الأقل من النساء اللواتي تعرضن لانتهاكات عبر الانترنت يخْشين على سلامتهن الجسدية، و24 في المئة يخفن على سلامة أفراد عائلتهن، ذلك أن العصابات الالكترونية التي تًهاجم النساء تُصدِر في معظم الأحيان تهديدات مفصَّلة ومرعبة لأولادهن. وهذه الهجمات شديدة الوقوع ومتسعة الانتشار. وفي عام 2014 وجَدت الوكالة الأوروبية للحقوق الأساسية أن رُبع النساء المُستطلَعات اختبرن مضايقات عبر الانترنت.
في تلك الهجمات، كان الضرر على حقوق الضحايا في الخصوصية، وحرية التعبير والمشاركة الكاملة في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية واضحاً. وأشكال التخويف والعنف هذه قد تُقوِّض عمل شبكات النساء، خصوصاً في المجتمعات القمعية حيث تُستخدم الناشطات المنتديات الالكترونية كوسيلتهن الأساسية للتواصل والتعبئة. إن النضال في الفضاء الرقمي حيوي لحركة حقوق النساء في بلدان مثل إيران، غير أن نتائج الهجمات عبر الانترنت، بالتواطؤ مع الحكومات الأكثر قمعاً، يُضاعفها الإفلات شبه التام من العقاب الذي ينعم به الجُناة.