فيمينا: حق، سلام، شمولية

فيمينا: حق، سلام، شمولية
تدعم فیمینا المدافعات عن حقوق الإنسان ومنظماتهن والحركات النسوية في منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا

معلومات الاتصال

لجميع الناشطات، لا تشعرن بالذنب بشأن الاعتناء بأنفسكن ووضع حدود واضحة

بقلم: باكيتا كاسادها

منبع: gal-dem

المصدر: مرکز یارا

“الاعتناء بنفسي ليس تدليلًا للنفس، بل هو حفاظ على النفس، وذلك فعل من أفعال الحرب السياسية.” – أودري لورد

لا يُعتبر الاعتناء بأنفسنا مجرد فعل من أفعال الحرب السياسية، بل هو أساسي لضمان استدامة النشاط. تتخذ العناية بالنفس أشكالًا متعددة، وأنا أوجه التأكيد بشكل خاص على أهمية وضع الحدود كجزء من ذلك. يتم اختبار صمودنا وحدودنا باستمرار كناشطات ومناضلات. إنه جزء من العمل، لكنه يأتي أيضًا نتيجة لطلبات ومطالب غير معقولة، سواء كنا نعمل كمستشارات لأشخاص يشاركن تجارب مشابهة على نحو ضعيف، أو طُلب منا فتح أنفسنا على مصراعيها ومشاركة قصصنا الشخصية.

فيما يتعلق بالأمر الأخير، أتساءل كثيرًا أين يتم رسم الخط؛ متى تنتقل مشاركة صدماتنا من التعبئة والحشد إلى مجرد “ترفيه الفشار”، كما صاغها شريكي. إن هذا يشغلني كثيرًا. غالبًا ما يحدد ما إذا كنت سأشارك في حوار أو مقابلة أو حدث ما. هناك طريقة غير صحية يتم بها استهلاك قصص الصدمات والتجارب القاسية. أنا واعية بالأخص لكيفية استغلال ألم السود وصمودهم/ن وقدرتهم/ن على التحمل، وكيف يتم ترويج ذلك بشكل متكرر وغير مناسب في الأوساط العامة.

أنا ناشطة في مجال مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) على المستوى المحلي، الوطني، والدولي. يركز نشاطي بشكل رئيسي على التمثيل، ومكافحة التمييز، والوصول إلى الرعاية الصحية، وحقوق المرضى. كشخص يعيش مع فيروس الإيدز، طُلب مني مرارًا وتكرارًا أن أُجري “محادثات سريعة” مع أشخاص لا يتناولون/يتناولن أدويتهم/ن أو يعانون/يعانين من صعوبات في التشخيص. يُطلب مني أن أطمئنهم/ن وأساعدهم/ن في التغلب على التحديات التي يواجهونها، سواء بناءً على طلب أصدقائهم/ن أو أقاربهم/ن. غالبًا ما يطلب مني أشخاص لا أعرفهم/ن جيدًا أن أتحدث إلى أشخاص لا أعرفهم/ن عن الأمور الشخصية والحساسة.

أنا ناشطة وأعبر عن رأيي بوضوح،  لكنني لست مستشارة نفسية. رسائلي الخاصة على فيسبوك والرسائل المباشرة على تويتر ليست المكان المناسب لذلك. قد يكون لدى الناشطات الأخريات نهج مختلف، ولكن بالنسبة لي، هذه هي حدودي. ليس الصمود لا متناهي القدرة، ولا يوجد حلا سريعًا للعافية العاطفية أو النفسية يمكن أن يصلحه “مكالمة سريعة”. خاصة بالنسبة لنا الناشطات اللواتي يركزن على الوصول والتمثيل، كثير منا ليس لديها المؤهلات اللازمة لتقديم دعم للعافية العاطفية أو النفسية. لقد تبادلت آراء مع عدد قليل من الأشخاص الذين/اللواتي طلبوا/ن مني أن أقوم بأشياء لا أشعر بصدق بأنني قادرة على القيام بها، وكانت لدي ردود فعل متباينة عندما وضعت تلك الحدود.

يُتوقع صمود غير منقطع من النساء السود، سواء كان ذلك لتقديم الدعم العاطفي، أو التخلي عن الحاجة للعمل المأجور، أو الخصوصية تحت اسم “القضية”. هذا يُرهق وقد يكون ضارًا، خاصة عندما يتوقع منا إتاحة حياتنا الشخصية للجميع للاستهلاك. كما قالت بيل هوكس: “يجب علينا [النساء السود] أن نقاوم مرارًا وتكرارًا أولئك الذين يحرموننا من المساحة للعافية العاطفية، عبر إبقائنا محبوسات ضمن ثقافة العبودية.”

هناك خط غامض بين الصدق والضعف، حيث يفترض أنك لست نفسك الحقيقية إلا إذا كشفت كل جزء من حياتك الشخصية للعالم. أنا لا أوافق على هذا الرأي. قد تكون هذه المياه غير واضحة في عالم النشاط. أين تترك هذه المشاعر أولئك منا اللواتي لا يشمل نشاطهن البكاء على المسرح أو الحديث عن حياتهن الشخصية؟ السرد واستكشاف تجارب الأخريات أمر مهم لإعطاء بعد إنساني للإحصاءات حتى لا نُنظر إلينا فقط كأرقام بلا هوية. ومع ذلك، لقد شاهدت كيف تم استغلال هذا المنطق لإجبار الأشخاص على سرد قصصهم/ن والمشاركة بدون الشعور بالارتياح تجاه ذلك. 

إن مشاركة قصتك هي أحد أشكال التمثيل، بلا شك، ولكنها ليست الشكل الوحيد. تعتريني الشكوك بسبب نوع القصص التي غالبًا ما تُطلب. يتم التركيز في كثير من الأحيان على الألم والصدمة، دون أن يتم التطرق إلى التجربة بشكل كامل. يتأثر الأفارقة السود بشكل غير متناسب بفيروس نقص المناعة البشرية في المملكة المتحدة وعالميًا. كما هو الحال في معظم الحملات، هناك مشكلة في التمثيل، مما يؤدي إلى أن الفرق العليا في جمعيات الإيدز في المملكة المتحدة غالبًا ما تتكون من أشخاص بيض. لقد شاهدت العديد من المناسبات حيث تم تصفية “تجربة المرأة السوداء” بشكل مُربك في المؤتمرات، حيث تقوم المرأة السوداء بمشاركة تجاربها أمام جمهور من المسؤولين والموظفين الكبار الذين لا يشبهونها. عندما يُقلص التمثيل إلى من تتحدث على المسرح، يتم تجاهل من تكتب النصوص، وتخطط لترتيب الأحداث، وتقرر من يمكنه/يمكنها الحضور إلى الفعالية. ليس كافيًا أن نقول “لقد سمعنا قصتهن اليوم”. عندما يتم تقليص التمثيل إلى من يتحدث على المسرح، تجد الكثيرات أنفسهن يُطلب منهن تجاهل حدودهن وشعورهن بعدم الراحة لمشاركة قصصهم.

كنّ حازمات عند وضع الحدود، أيها الناشطات. فكّرن في رفاهيتكن عند إجراء أي تعديلات. إذا بالغتن وكشفتن عن قصص حياتكن على المسرح أو في مجلة وشعرتن بالإرهاق، فمن غير المحتمل أن يستمر الأشخاص الذين يدفعونكن للذهاب أبعد وأعمق في دعمكن.

كثيرًا ما أشعر بالذنب تجاه الحدود التي أضعها (أستجوب نفسي وأتساءل إن كنت أقوم بما يكفي من أجل القضية)، ولكن أدرك ما الذي قد أتعرض له إذا لم أحترمها. ستتأثر نشاطاتي وسيكون من الصعب المحافظة عليها إذا قمت بالتضحية بعافيتي العاطفية والنفسية. يؤثر الظلم الاجتماعي عادة في الأشخاص المهمشين في المجتمع (وهذا جزء من الظلم). يشمل جزء من هذا التهميش إنكار إنسانيتنا وتوقع القوة والصمود إلى مستويات غير معقولة، لكن الأشخاص ليسوا مخولين بالحصول على وصول غير محدود وغير مفلتر. ليس لهم الحق في استكشاف جروحك أو التدخل فيها للفضول الشخصي، سواء باسم النشاط أو حتى لغرض شفائهم/ن الخاص. قدمن قصصكن بشروطكن الخاصة للمحافظة على سلامتكن الداخلية.