فيمينا: حق، سلام، شمولية

فيمينا: حق، سلام، شمولية
تدعم فیمینا المدافعات عن حقوق الإنسان ومنظماتهن والحركات النسوية في منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا

معلومات الاتصال

العيش والبقاء على قيد الحياة في بلد بجروح متضاعفة

المؤلف: مارثا كابريرا

منبع: Medico International

المصدر: مرکز یارا

لا تصيب الصدمات و الألم الأفراد فقط . فعندما تنتشر وتتواصل تؤثر على مجتمعات بأكملها وحتى على البلد ككل. كما يشرح عالم النفس الواعي اجتماعيا ، فإن التداعيات خطيرة على صحة الناس ومرونة النسيج الاجتماعي للبلاد ونجاح مخططا ت التنمية  وأمل الأجيال القادمة.

عندما بدأنا العمل من مركز فالديفييسو  في عام 1997 قبل عام واحد من اعصار ميتش, لم يكن أحد تقريبا يبحث في القضايا التي اردنا التعامل معها : الذاتية و النفسية و الروحية. أطلقنا علي جهودنا “اعادة البناء العاطفي و الروحي”. بعد ست سنوات، نحن فخورون بما تعلمناه ونقر بالجهل الأساسي الذي بدأنا به هذا المسعى.

لماذا لم تنجح العديد من ورش العمل؟

لا توجد بلدة في هذه الأمة لم يتم تطبيق فيها ورشة عمل حول شيء ما ، لذا فإن أحد الأسئلة التي طرحناها على أنفسنا في ذلك الوقت – وما زلنا نفعل اليوم – هو ما حدث للملايين المستثمرة في التدريب في نيكاراغوا وما هو الشيء الجيد الذي حدث كنتيجة لذلك. كانت هناك ورش عمل حوار النوع الأجتماعي والبيئة وحول المشاركة المدنية، علي سبيل المثال لا الحصر. كل الحقائق، ناهيك عن كل الأفكار التي يقترحها التعاون الدولي و يفرضها في بعض الأحيان، كانت موضوعات ورش العمل في جميع انحاء البلاد. و لكن مع بذل الكثير من الجهد في العديد من ورش العمل و الندوات، لماذا كانت النتائج سيئة للغاية؟ لماذا لم يستجيب الناس لخطورة المشاكل  علي الرغم من كثرة التدريب؟ لماذا لم يقوموا بالحشد والمطالبة؟ 

بعد التفكير في العوامل المساهمة في هذة السلبية، توصلنا الي بعض الأفكار و الحدس حول هذا الموضوع. و قد حصلنا بالفعل علي سلسلة من النتائج التي بدت مثيرة للأهتمام بالنسبة لنا عندما ضرب اعصار ميتش، لذلك تمكنا من استخدام خبرتنا في كيفية العمل مع البعد الشخصي. بدأنا عملية دفعتنا الي السفر عبر جزء كبير من نيكاراغوا: ليون، تشينانديغا، نويفا سيغوفيا، استيلي، ماتاغالبا .. لقد أمضينا الكثير من الوقت في بوسولتيغا، المنطقة الأكثر تضررا من الأعصار. لقد أدركنا في تلك الجولات المشكلة الأعمق و وقمنا بصياغة نهجنا: نيكاراغوا بلد تتضاعف فيه الجراح و وتتضاعف الصدمات و يتضاعف الحداد.

 كيف توصلنا إلى هذا الاستنتاج؟ من خلال العمل علي التعافي العاطفي للناجين من اعصار ميتش، وجدنا انه بينما اراد الناس التحدث عن خسائرهم الفورية، كانت لديهم حاجة اكبر للحديث عن خسائر أخري لم يصرحوا بها من قبل.

كانت العديد من النساء في ليون وشينانديجا يأتون إلينا ويقولون/يقلن، على سبيل المثال، “انظروا ، أنا حزين/ة حقًا لخسارة منزلي، لكنني أريد أن أخبرك عن شيء آخر كان أصعب …” وبدأنا للاستماع إلى قصصهم/ن. أخبرتنا العديد من النساء بأشياء احتفظن بها، مثل: “هل تعرف ما الذي يؤلمني أكثر؟ أعاني من الأرق. هل تعرف لماذا؟ لأنني مستلقية مستيقظة قلقة من أن يقضي زوجي الليلة في سرير ابنتي وأن يقوم بلمسها… “

وجدنا ايضا العديد من الجروح المتعلقة بالتاريخ السياسي لنيكاراغوا. مازلت أتذكر رجلا كنا نعمل معه من تشينانديجا. و الذي استعاد تجربته الصادمة السابقة أثناء قيامه بأنقاذ جثث مدفونة في الأنهيار الطيني الذي تسبب فيه اعصار ميتش علي بركان كاسيتا في بوسولتيغا. قال لنا: ” جاءت لحظة، لم أستطع فيها الأستمرار لأن رائحة الموت أعادت ذكريات مروعة من تجربتي في الخدمة العسكرية”.

 لقد سمعنا نثل هذة القصص مرارا و تكرارا. تتحدث النساء عن الأغتصاب و الأعتداء الجنسي و سفاح القربي و أنواع اخرى من العنف المنزلي. يتحدث العديد و العديد من الرجال و النساء ايضا عن الحرب و القتال و الهروب الي المنفى في هندوراس. هذه تمثل “الوجه الآخر للحرب” لأعضاء فريقنا الذين كانوا جميعًا من أنصار الساندينية.

خلق مساحات للحديث عن الألم

عندما بدأنا في مواجهة كل هذة الحقائق، قررنا تغيير نهجنا. بدأنا في انشاء مساحات يمكن للناس فيها التحدث عن تجاربهم المؤلمة الأخرى، و بالتالي نجد أنفسنا مع ما نطلق عليه الان ” قائمة الجروح”. لقد عملنا بعد عام كامل من ميتش مع المتضررين من الأعصار و وجدنا قدرا هائلا من الخسائر، من الجروح الشخصية و المجتمعية التي لم تتم معالجتها أو حتي ظهورها في العراء و بالتالي لم يتم التغلب عليها و هو الجزء الأسوأ لأسباب متنوعة، بما في ذلك التعاقب السريع للأحداث الدرامية و الصادمة في نيكاراغوا، لم يتمكن الناس من العمل من خلال تجاربهم. عندما طلبنا من الناس التفكير في تأثير ما عانوه و كيف تعاملوا معه، كان أول شئ اكتشفناه هو انه لم يكن لديهم وقت كافي لمعالجته. كان للعوامل الثقافية ايضا تأثير في هذا لنقص في المعالجة، و كذلك حقيقة ان الناس لم يكن لديهم موارد المجتمعية للتعامل مع مع مثل هذة المشاكل. و كانت المنظمات الشعبية و الأجتماعية دائما تقلل من هذة المشكلات او تتجاهلها تماما. وجدنا أنفسنا نبدأ في تحديد و اتباع ما يمكن أن يكون أحد الخيوط الأرشادية لعملنا: مرافقة الأشخاص في معالجة جروحهم و التي تتضمن دائما الاعتراف و التعبير و التفكير.

ربط الجروح الجسدية و النفسية

 في نفس الوقت الذي نقوم فيه بحصر جميع الصدمات و الالام الاخرى و التعرف علي هذا النقص في المعرفة، بدأنا في البحث عن الأدوات التي من شأنها التي تساعد في خلق بعض التفاهم بين اولئك الذين يعملون في مجال التنمية. كان أحد الجسور التي اكنشفناها هو حصر الظروف الصحية للسكان بالتوازي مع جرد الجروح النفسية. عندما التقينا بالمجموعات و المجتمعات، كنا نطلب من الناس الاشارة الي أهم الخسائر التي تعرضوا لها و أخبارنا ايضا عن حالة صحتهم الشخصية. و قد ساعدنا ذلك في اكتشاف المزيد من مظاهر ظاهرة الجروح الأجتماعية و السياسية و كذلك الشخصية المتعددة. لاحظنا أن سلسلة من الأمراض الجسدية المزمنة – التهاب المعدة و التهاب القولون و الصداع النفسي، و ما الي ذلك – ترتبط ارتباطا وثيقا بالصدمات غير المعالجة كانت من بين أكثر المظاهر الشخصية شيوعا و خطورة. وجدنا ايضا أن الحالة الصحية لسكاننا في مجال الأمراض النفسية الجسدية كانت مؤسفة حقا. كان استخدام حالتهم الصحية وسيلة مفيدة للغاية لجعل الناس اكثر انفتاحا، لأنه موضوع لا يجعل الناس يشعرون بأنهم دفاعيون أو مهددون. عندما بدأنا ورش العمل الخاصة بنا من خلال اجراء جرد الصحة و المرض , كان يفاجئ الناس : ” ما هذا؟ لقد جئت الي ورشة عمل حول التنمية و الدعوة السياسية و الشئ التالي الذي أعرفه أنك تسألني عن صحتي” لكن في حين أن هذا النهج يفاجئهم، الا انه يعمل.

من ناحية أخرى، فإن المظاهر الاجتماعية والسياسية ليست فورية أو يمكن الوصول إليها. يستغرق الأمر وقتًا حتى تظهر التداعيات الاجتماعية للصدمة، وأكثرها شيوعًا اللامبالاة والعزلة والعدوان، في الشخص الذي لا يقوم أو لا يستطيع التحرك على الفور. لقد لاحظنا أن سلوك العدد الكبير من النيكاراغويين الذين يؤكدون أنهم “لا يريدون معرفة المزيد عن السياسة” أو “لا يريدون التورط في أي شيء” يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالندوب والصدمات المختلفة التي تراكمت خلال الوقت. يُفسر النقص الحالي في التعبئة إلى حد كبير بالصدمات التي لم يتم حلها والجروح الأخرى والحزن. 

لقد فهمنا أن هناك علاقة وثيقة بين العديد من الجروح و الصدمات المتراكمة و السلوك الذي يمكن رؤيته اليوم في عدد كبير من النيكاراغويين الذين يصرون علي أنهم “لا يرييون معرفة المزيد عن السياسة” أو ” لا يريدون للمشاركة في أي شئ.” تفسر الصدمات غير المعالجة و الجروح الأخري و الحزن الكثير من النقص الحالي في التعبئة

عندما يعاني المرء من الكثير من الألم المتراكم ، يفقد القدرة علي التواصل مع الأخرين. تقل القدرة علي التواصل، والمرونة والتسامح بشكل كبير بين الأشخاص الذين يعانون من عدد من الصدمات الشخصية التي لم يتم حلها. تتأثر الخصائص الحيوية لقدرة الشخص علي العمل بشكل مناسب. ان فقدان التضامن الذي نأسف عليه في نيكاراغوا اليوم له علاقة بفقدان الثقة بين الناس. لقد تم انفاق مبلغ لا يصدق من الأموال في هذا البلد علي برامج لبناء و تعزيز القدرات المؤسساتية، ليس فقط في مؤسسات الدولةة و لكن ايضا في المنظمات الشعبية المحلية و غير الحكومية. لكن تقوية المؤسسة تقوم علي الثقة المتبادلة و هذا أحد الأشياء التي تضيع عندما يكون هناك تراكم للألم و عدم التسامح و عدم المرونة.

الزاوية الثقافية: التنشئة الاجتماعية بين الجنسين

سرعان ما قادنا عملنا الي التطابق مع عالم انثروبولوجيا كان يقوم ايضا بعمل علي نفس المنوال في العالم الريفي. و لكن بشكل خاص من الزاوية الثقافية. أكتشفنا أحد الأسباب الثقافية الرئيسية التي تجعل الناس لا يعالجون أحزانهم. و كان ذلك عندما واجهنا الفحولة الثقافية المتجذرة بعمق في نيكاراغوا. تعلمنا من خلال ممارستنا اليومية أن الطريقة التي يعبر بها المرء عن المشاعر، و التي لها دائما تداعيات فسيولوجية، ليست فطرية و لكنها مكتسبة، و هذا التعلم يعتمد دائما علي التنشئة الاجتماعية بين الجنسين. لا يعبر الرجال والنساء عن مشاعرهم بنفس الطريقة لأنهم تعلموا القيام بذلك بشكل مختلف. حيث أنني تعلم كامرأة أن العواطف المسموحة بالنسبة لي هي الحزن، لأن هناك نموذجًا أنثويًا يخبرني أنه يجب علينا نحن النساء أن نعاني وأن نكون جيدين ونتسامح مع الأشياء، فأنا أسمح لنفسي بالشكوى والبكاء. يسمح لي هذا النموذج أيضًا بالتعبير عن الذنب ولكن ليس الغضب، لأنه إذا قامت امرأة بذلك، فإن الناس يقولون “إنها غاضبة حقًا؛ إنها تتصرف كرجل! ” يتم أيضًا تعليم المشاعر التي يمكن للرجال التعبير عنها والطريقة التي يمكنهم بها التعبير عنها. يُسمح للرجال فقط بالتعبير عن الغضب، وحتى العنف … لكن لا يُسمح لهم أبدًا بالخوف أو الذنب أو الحزن، ولا يمكنهم البكاء أبدًا. إنهم يدفعون ثمناً باهظاً من أجل قمع عواطفهم كما تفعل النساء المقربات منهم.

لقد ألزمنا عملنا بدراسة العواطف بعمق. عندما يكون المرء حزينًا، فإنه ليس شيئًا يؤثر على الأذن أو القدم؛ إنه يمر عبر الجسم كله. العاطفة هي الطاقة في الحركة. هذا هو السبب في أن الغضب يمكن أن يجعل الجسم كله يصبح صلبًا. المشاعر الناتجة عن الجرح، من الصدمة، الغضب والحزن والخوف والشعور بالذنب، تولد تلقائيًا تغييرات جسدية. الجسد حكيم ويستخدم هذه التغييرات لدعوتنا للتعبير عن المشاعر. العاطفة هي علامة على أننا أحياء. عندما نشعر بالحزن لفقدان شيء ما أو شخص ما، فإن هذا الحزن هو علامة على الحياة. عندما يعترف الناس بالألم أو الحزن أو بعض المشاعر العميقة الأخرى، فإنهم عادةً ما يمنحون أنفسهم الوقت اللازم لهضمها، وعندما يعبرون عنها ويفكرون فيها، تستمر المشاعر في مسارها الطبيعي وتتلاشى في النهاية. ولكن عندما يتم حجب هذا الاعتراف لأي سبب من الأسباب، فإن العواطف – التي لها تأثير على الجهاز المناعي والجهاز العصبي والدورة الدموية والجسم كله – تؤدي إلى تغيرات فسيولوجية في ضغط الدم ودرجة الحرارة والهضم وينتهي بنا الأمر إلى جعلنا مرضى. هناك دائمًا علاقة وطيدة بين الأمراض التي نعاني منها والمشاعر التي نقمعها.

أعطانا منظور النوع الاجتماعي – جنبًا إلى جنب مع دراسة العواطف وعلم النفس، التي لا يوجد فهم عام لها في نيكاراغوا- قطعة أخرى ساعدتنا في وضع اللغز معًا بشكل أفضل. لقد تم توثيق في نيكاراغوا، على سبيل المثال، أنه بعد انتهاء حرب الثمانينيات، كانت هناك زيادة في العنف المنزلي في المنازل التي شارك فيها الرجال في الحرب. لقد عاش هؤلاء الرجال مواقف صعبة للغاية في ساحة المعركة دون أن يكونوا قادرين على معالجتها أو التعبير عن أي مشاعر تجاههم بسبب نموذج الذكورة المكتسب. علاوة على ذلك، تحولوا من جنود وضباط يدافعون عن وطنهم أو قيمهم إلى عاطلين عن العمل ويتجاهلهم نظام غير إنساني. الطريقة الوحيدة التي وجدوها للتعبير عن آلامهم كانت من خلال العنف والعدوانية، لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي تعلم بها الرجال للتعبير عن مشاعرهم والتخلص من صدماتهم.

كيف يمكنك تمكين السكان المصابين بصدمات نفسية؟

مع صورة أوضح لما كان يحدث و ما يتعين علينا القيام به، بدأنا نسأل أنفسنا عن كيفية الاستفادة المثلى من كل هذة النتائج لافادة الأشخاص المنظمين حول مشاريع التنمية. بعد عام و نصف من ميتش، تمت دعوتنا الي اجتماع مع رؤساء بلديات مقاطعات نوفيا سيغوفيا و مادريز واستيلي، و كان أحد الأسئلة التي طرحناها هو اذا كانوا يعرفون اي شئ عن المظاهر الأجتماعية لظواهر مثل ميتش. قال معظم رؤساء البلديات انهم لم يفعلوا ذلك. هذه الحقيقة خطيرة وصادمة في نفس الوقت. تتضمن دائما جميع مشاريع التنمية من المشاريع الكبيرة مثل تلك التي تديرها الأمم المتحدة إلى المشاريع المجتمعية الصغيرة لمجموعة مدينة بين أهدافها مفهوم “التمكين” المألوف الآن. ولكن كيف يمكن للفرد تمكين السكان المصابين بصدمات نفسية؟ حاولنا جعل رؤساء البلديات يفهمون الموضوعات الاجتماعية التي  كانوا يعملون معها، و لماذا لا يرغب الناس في الكثير من الأحيان في المشاركة في مخططات التنمية الخاصة بهم، و لماذا لا يريدون المشاركة، علي سبيل المثال، في اعادة بناء منازلهم. غالبا ما يقال ان الأشخاص لا يريدون التغيير ولا يهتمون بالمشروع ولا يرغبون في التطوير. لكن نادرا ما يسأل لماذا يشعر الناس بهذة الطريقة. احدي الأجابات الرئيسية هي الصدمة و الألم المتراكم. يمكن توضيح ذلك بسهولة بالغة: عندما تصطدم سيارة بالناس في الشارع، فأنهم لا يستيقظون فقط و يزيلون الحصي، و يذهبون الي العمل و ينسون الأمر. أقل ما سيفعلونه هو اخبار الأخرين بما حدث، و اخراجها من صدورهم و العناية بجروحهم. حسنا، لم يتم صدم نيكاراغوا بسيارة فحسب، بل دهسها قطار طويل!

عندما طلبت من رؤساء البلديات أن يكتبوا تاريخهم الشخصي، “نهر حياتهم”، وجدت نفس القصة التي مررت بها مرارًا وتكرارًا في جميع أنحاء البلاد: لقد أحرقوا منزلي؛ اضطررت للذهاب إلى المنفى في هندوراس؛ قتلوا أخي … تستمر المشاريع التنموية في تجاهل هذا النوع من التاريخ الشخصي الذي يثقل كاهل كل واحد منا. تتكون الغالبية العظمى من الدورات التدريبية الخاصة بالبرامج التعليمية أو برامج التمكين من الدعوة إلى اجتماع لقادة المجتمع لتعليمهم الأدوات التي يمكنهم من خلالها العمل مع السكان. لكن من هم هؤلاء القادة؟ ماذا يعرف أولئك الذين يقومون بالتدريس عن تاريخهم الشخصي؟ إن تجاهل التاريخ الشخصي للأشخاص الذين يحاول المرء تعليمهم في مثل هذا البلد المنهك هو دليل على نموذج تعليمي لم يتخلص منه اليسار بعد. إنه يقوم على إنكار الشخص، الفرد، الذات، على تصور الأفراد كحلقات في سلسلة انتقال نحو مشروع جماعي غير شخصي يفترض دائمًا أن يكون من أجل الصالح العام.

نحن نفترض تاريخنا الشخصي والوطني

 في إستيلي، كان لدينا فرصة المشاركة في مشروع يسمى تكوين المروجين المحليين للتنمية، حيث استطعنا أن نجمع بين مختلف المؤسسات. عملنا لمدة عام ونصف على تاريخ 90 مروجاً من 36 منظمة، حيث قدمنا لهم عددًا كبيرًا من الأدوات ليساعدوا بدورهم الآخرين في التعامل مع تاريخهم الشخصي. كما قدمنا لهم الأدوات اللازمة ليتمكنوا من التفكير في تاريخ نيكاراغوا وثقافتها

إن هذا تحدي بالغ الصعوبة، لأنه منذ عام 1990، لم تكن لدينا نيكاراغويون القدرة على اكتساب مسافة نقدية من التاريخ الذي عشناه. حتى الكتب المدرسية تم تغييرها مرتين وأصبحت لها ميول إيديولوجية تمنع الأجيال الجديدة من الحصول على المسافة اللازمة أيضًا. هذه الكتب تستقطبنا. استمروا في إعادة إنتاج نفس العصبتين السياسيتين. ردًا على هذه المشكلة، فقد بذلنا أيضًا جهدًا لإعداد نصوص جديدة قد تساعدنا في رؤية التاريخ بشكل أكثر أهمية.

 كنا مؤخرًا في كوستاريكا نعمل مع مهاجرين من نيكاراغوا هناك، ولاحظنا نفس الشيء. هناك الكثير من الآلام المتراكمة لدى من عانوا خلال الثورة بسبب انحيازهم للمقاومة، وكذلك بين أولئك الذين عانوا من دعم الساندينيين واضطروا للهجرة في وقت سابق، في عهد سوموزا. في كلتا الحالتين، منعتهم التجربة والألم غير المعالج من القدرة على رؤية تاريخهم من منظور آخر وتجاوزه.

إعادة النظر في نماذج المؤسسات وتغيير أنماط القيادة

قادنا كل هذا إلى قضية أخرى: المشكلة التنظيمية. تريد العديد من المنظمات في نيكاراغوا إجراء “جراحة قلب مفتوح بساطور”، كما قال أحد المراقبين ساخرًا. إنهم يريدون “تغيير العالم”، لكنهم لا يفعلون شيئًا لتغيير نموذج قديم داخل المنظمة نفسها، وبالتالي إعادة إنتاج أسلوب قيادة يمنع أي تغيير حقيقي. دانييل أورتيغا وأرنولدو أليمان ليسا الكوديلو الوحيدين في هذا البلد. إن هذا النمط السياسي لرئيس الحكومة يتكرر في المنظمات الاجتماعية، والمنظمات غير الحكومية، وفي جميع قطاعات مجتمعنا. السؤال ليس ما إذا كان لدينا منظمات ديمقراطية، بل ما إذا كان بإمكاننا أن يكون لدينا منها. لقد اكتشفنا أنه من الصعب جدًا بناء الديمقراطية في حين أن التاريخ الشخصي لأي بلد ما زال مؤلمًا.

تبذل جهود كثيرة في نيكاراغوا. تجد وفرة من المشاريع في أي مكان تذهب إليه. لكن علينا أن نعود إلى السؤال عن سبب فشل كل هذا الجهد في أن يؤتي ثماره. يرجع ذلك جزئيًا إلى انتشار النشاط بينما يتم رفض النظرية. ستدفع أي جامعة عالمية أولى نقودًا جيدة للقدوم ودراسة بلادنا، ومع ذلك فنحن النيكاراغويين لم نتوصل بعد إلى نظرية حول هذا الموضوع. عندما يعمل المرء مع المنظمات ويقدم لهم كتيبًا بأفكار جديدة ونظرية جديدة، يأخذ الجميع نسخة منه، ويضعها في جيبه ثم لا يقرأها أبدًا. لذلك نحن دائمًا نعود إلى واقعنا بنفس الأدوات التي لم تعد تعمل. إذا كان باولو فريري لا يزال على قيد الحياة، فسيصاب بالصدمة والأذى لمعرفة كيف أصبح التعليم الشعبي ضعيفًا للغاية في نيكاراغوا. إنها ليست سوى حلقة لا نهاية لها من مجموعات العمل التي “تنظم” مناقشاتها على الرسم البياني الورقي. كيف يمكننا تغيير واقعنا عندما يتم اختزال التعليم الشعبي إلى هذا الحد وعندما تقوم المنظمات بنفس الشيء القديم مرارًا وتكرارًا دون التساؤل لماذا لا يؤدي إلى أي مكان؟

على الرغم من أن ظاهرة الجروح المتضاعفة لا يمكن أن تشرح كل ذلك، إلا أنها تشرح الكثير وتؤثر تقريبًا في جميع أنحاء نيكاراغوا. معظم أولئك الذين يروجون لعمليات التنمية في جميع أنحاء البلاد اليوم يتأثرون بحالات نفسية مؤلمة. لقد كانت مهمتنا إقناع تلك الأشخاص أنهم يجب أن يتعاملوا مع هذه المشكلة، لكن رد فعلهم التقليدي هو: لماذا ننخرط في كل ذلك عندما يكفي ورشة عمل تعزيز الثقة بالنفس؟ لكن ذلك ليس كافيًا. لقد أظهرت لنا التجربة أنه عندما نطلب من قادة المجتمع التحدث عن حياتهم، يتأثر الكثير منهم في البداية، ولكن فيما بعد يشكروننا جميعًا على ذلك لأنه يساعدهم على فهم والمضي قدمًا

  يتطلب التغيير الاجتماعي تغييرًا شخصيًا

التغيير الشخصي هو مفتاح العمليات التنظيمية. لا يمكن أن يكون هناك تغيير اجتماعي بدون تغيير شخصي، لأن المرء مجبر على القتال كل يوم لتحقيق هذا التغيير. يتضمن اقتراحنا للمنظمات الداعمة حاليًا أربعة مجالات رئيسية. تركز الوحدة الأولى على المجال الشخصي، حيث توجد الأزمات والجروح والصحة ومفهوم الشفاء وأسلوب الحياة والعادات الصحية الشاملة. أما الوحدة الثانية فتركز على التاريخ والثقافة، حيث نحاول أن نفهم كيف يتم تمييز حياتنا الشخصية من خلال تاريخ البلد والثقافة الوطنية ونوضح عدد الاستراتيجيات الغير وظيفية في ثقافتنا وكيف يتم التعبير عنها. الوحدة الثالثة هي الوحدة التنظيمية والرابعة مخصصة للتطوير. ساعدتنا الممارسة على تجنب رؤية هذه الوحدات الأربع بشكل منفصل ونحاول باستمرار إقامة روابط فيما بينها. إننا نعطي مساحة للروحانية في العنصر التاريخي الثقافي اعتمادًا على المنظمة، لأننا وجدنا أن العديد من الأشخاص في الثمانينيات وجدوا معنى وسبب وجودهم في الثورة، لكنهم لم يتطابقوا مع أي دين أو روحانية منذ ان انتهت وبالتالي هذا ماجعلهم يشعرون بفراغ عميق. من المهم للناس استكشاف البعد الروحي لتحسين صحتهم العقلية والبدنية وتحسين أداء منظماتهم. هذا هو السبب الذي جعلنا نعمل كثيرًا مع الطقوس ونستخدمها كأدوات يمكنها تجميع المجموعات معًا.

يمكننا الكشف عن جروح الناس وشرح الطريقة الصحيحة للتعامل مع الصدمات والألم من خلال إدخال مفهوم الشفاء الشخصي في المنظمات، من خلال ثلاث خطوات بسيطة: الاعتراف بما حدث، والتعبير عما حدث والتفكير فيما حدث. ولكن في حين أن هذا قد يكون هو الطريق الصحيح، فإنه ليس من السهل فعله في مجتمع ينكر الطبيعة الواسعة الانتشار للاعتداء الجنسي داخل العائلات والمستوى المرتفع بشكل لا يصدق لسفاح القربى من حولنا. كيف يمكن علاج ذلك إذا رفض المجتمع مناقشته؟ كيف سنداوي الجراح السياسية الرئيسية في البلاد إذا لم نفكر فيها بعد؟ عندما نطلب من المنظمات التفكير في هذه الأشياء، فإنها غالبًا ما ترد، “ما الذي تتطلعون إلى القيام به، هل هو تدمير المنظمة؟” يتم تجنب التفكير بهذا الامر لأنه ينطوي على فصل الخير عن السيئ والصحيح من غير الصحيح. يواجه العديد من الأشخاص من كل من الجبهة الساندينية والمناهضون للساندينية صعوبة كبيرة في قبول الأخطاء المرتكبة والتعبير عن هذه المشاكل والتفكير فيها. إنهم يعتقدون أن قبولها والتحدث عنها والتفكير فيها يضر بدلاً من الشفاء. لا يرقى جهدنا إلى أكثر من توفير الأدوات حتى يتمكن الناس من بدء عمليات الشفاء الشخصية والجماعية.

هيكلة عملية الشفاء

يجب أن يكون لعملية الشفاء بداية ونهاية. تقول كل النظريات ذلك. سرعان ما أدركنا أننا بحاجة إلى الخوض في هذا ليس فقط لجعل الناس يتحدثون عن خسائرهم ولكن لمساعدتهم على اكتشاف أن التحدث عنهم سيؤدي إلى مكاسب. اكتشفنا أيضًا طريقة لشرح أن الصدمات تمنع الطاقة التي تنتشر عبر الجسم وأن هناك طرقًا لإلغاء قفلها. لقد تمت دراسة وإثبات أن الأشخاص الذين يعانون من ظاهرة الجروح المتعددة لديهم طاقة أقل بكثير. السبب بسيط: في كل مرة يعاني فيها الشخص ولا يعالج تلك المعاناة، فإن أول شيء يتم تقييده هو قدرته على التنفس. في كل مرة نعاني فيها من عدوان، يتفاعل جسمنا وينكمش على نفسه ويتوتر. وأول تأثير لهذا التفاعل هو تقليل كمية الأكسجين التي يستوعبها الجسم. وعندما يتلقى الجسم كمية أقل من الأكسجين يكون لديه طاقة أقل. لقد عرفت الثقافات الشرقية عن هذا الأمر منذ آلاف السنين، ولهذا السبب يعتبر التنفس في صميم العديد من التقنيات الشرقية.

بمجرد أن يعمل الناس على حالتهم الصحية، ننتقل إلى المحتوى النظري وشرح عملية التعامل مع آلامهم. ندعوهم بعد القيام بذلك بالتفكير في تاريخهم الشخصي، والذي يمكنهم القيام به باستخدام طريقة نهر الحياة أو طرق أخرى. نحن نركز كثيرًا على أهمية تحسين العلاقات الشخصية حتى نتمكن من العمل على الألم. تتكون الوحدة المعنية بالشخصية من ثلاث ورش عمل نشطة وواضحة للغاية تستمر يومين ونصف اليوم. لقد فقد ما يسمى اليوم بالتعليم الشعبي الكثير من بهجته وألعابه وقدرته على اضحاك الناس. للألعاب قوة شفاء كبيرة. لا يشمل الشفاء بالضرورة الدموع. من المهم تزويد المجموعة بتدفق مستمر من الأدوات حتى يفهم الناس أن لديهم القدرة على شفاء أنفسهم وتحمل المسؤولية الشخصية عن القيام بذلك.

لقد ارتفع معدل الانتحار في نيكاراغوا، ولكن في حين أن الانتحار هو مظهر آخر لظاهرة الجروح المتعددة فلا ينبغي لنا أن نركز كل الانعكاسات عليه. هناك طرق يومية أخرى لتجنب الألم وهي أشكال أبطئ من الانتحار وأكثر شيوعًا في بلدنا. على سبيل المثال، إدمان الكحول منتشر للغاية في نيكاراغوا وحتى في المنظمات، لكن لم يفكر أحد حقًا في هذه المشكلة.

أهمية الشفاء الجماعي وتحمل المسؤولية الشخصية

تتعرض المجتمعات المصابة بصدمات متضاعفة لخطر التحول إلى مجتمعات تعاني من صدمات بين الأجيال. يكاد يكون قانونًا أن يعامل المرء الآخرين بالطريقة التي يعامل بها المرء نفسه. في أي مكان تتعرض فيه مجموعات سكانية كبيرة للصدمة، تنتقل الصدمة إلى الجيل التالي. العمل مع ظاهرة الجروح المتعددة يعني قبول أن الجروح جماعية وكذلك شخصية. كانت ثورة نيكاراغوا ظاهرة جماعية، لكن التعامل مع الألم الذي تمثله خسارة الثورة كان فرديًا. واليوم، بعد 12 عامًا من الهزيمة الانتخابية لساندينيستا عام 1990، ما زلنا نجد العديد من الأشخاص في ورش العمل الذين لم يتغلبوا على تلك الهزيمة. قادنا عملنا الميداني إلى الاعتقاد بأنه يتعين علينا التحدث عن ذلك الماضي والتحدث في الواقع عن تاريخنا الماضي بأكمله إذا أردنا أن نشفي أنفسنا.

لا يحتاج المرء إلى طبيب نفسي لشفاء نفسه. يعد الشفاء في العديد من المفاهيم الحديثة، تحديًا جماعيًا يعتمد على إدراك أن ألمي وألمك وألم الشخص الآخر متشابهة. وإذا أردنا أن نعالج أنفسنا بشكل جماعي، فنحن بحاجة إلى الخضوع لتغيير ثقافي. لماذا لا يتحدث الناس؟ لأنهم يخضعون لولاية ثقافية قوية مفادها “غسل الملابس المتسخة في المنزل”.

للشفاء من حيث الجوهر علاقة بعملية تحمل المسؤولية الشخصية. هذا يعني أنني أتحمل مسؤولية حياتي وعلاج نفسي. وتحمل هذه المسؤولية ينطوي على إبعاد نفسي عن نموذج القيادة التقليدي لهذا البلد وبناء نموذج جديد. انها ليست مهمة سهلة. القادة في النموذج النيكاراغوي القديم منافقون – يساريون خارج وطنهم وفاشيون داخله. إن اقتراح العلاج الشخصي يكشف هذا التناقض ويؤكد لنا قيادة جديدة للمستقبل حيث يوجد تماسك بين المجالين الشخصي والعام. لقد أدى نموذجنا القيادي إلى توليد المشكلات بشكل تقليدي بدلاً من حلها حيث يغذي قادتنا الاستقطاب السياسي ويثيرونه. هذه مشكلة مهمة للغاية حاليًا: نحن نعيد تدوير القادة السياسيين والاجتماعيين وهم يعيدون تدوير الأفكار. لا تعرف المنظمات في غضون ذلك كيف تواجه مثل هذه القيادة سواء بسبب نقص القدرة أو الاستنفاد.

نحث قادة المجتمع على مراجعة أسلوب حياتهم لأننا اكتشفنا أنه على الرغم من كل ورش عمل تقدير الذات، إلا أن الناس يكملون العمل دون الاهتمام بأنفسهم. لقد ذهبنا إلى المجتمعات حيث الحرارة لا تطاق، وعندما سألنا الناس عما إذا كانوا يشربون الكثير من الماء كانت الاجابة لا. إنهم لا يعيرون اعتبارا حتى لشيء بسيط كهذا من الرعاية الذاتية الأساسية. إذا لم تبدأ التنمية من الداخل، فمن أين تبدأ؟ من أين تبدأ القيادة، إذا لم يتحمل المرء المسؤولية عن نفسه ويقدم مثالاً؟ هناك الكثير من القيادة من بين أمور أخرى، لكنها غير فعالة. ما نحتاجه هو قيادة شخصية – قادة يقودون من مبادئهم وحياتهم الخاصة. هذا أصعب بكثير من الفعل كما ذكرت.

في إحدى ورش العمل في كوستاريكا مع مجموعة من 25 مهاجرًا من نيكاراغوا، كشفنا عن 60 مرضًا نفسيًا جسديًا. أضاف سكان نيكاراغوا بعد أن هاجروا إلى كوستاريكا، آلام الهجرة إلى الجروح العديدة التي جلبوها معهم من نيكاراغوا. اكتشفنا أن كونك من نيكاراغوا أمر مؤلم خارج البلاد، لا سيما في كوستاريكا، لأنه يتناقض مع هوية كوستاريكا ويشعر النيكاراغويون بالخجل من هويتهم لأن لديهم رؤية سلبية لتاريخهم. تحدثنا كثيرًا عن الاقتلاع من جذورهم وأخبرناهم أنهم إذا كانوا يريدون بناء منظمات قوية كمهاجرين، فإن الجذر الأول الذي يتعين عليهم إخماده هو داخل أنفسهم. إذا كانوا يريدون بناء هذه المنظمات، فعليهم التعامل مع التفكير في تاريخ نيكاراغوا، والذي قد يبدو أنه ماض غير ذي صلة ولكنه موجود في الواقع داخلها. هذا لأن الألم لا يتبع المسار الزمني للوقت. إنه يعمل على أساس الوقت النفسي والذي ينتقل إلى إيقاع مختلف. عندما يتم اغتصاب شخص ما على سبيل المثال، فإن الجسد لديه ذكرى ذلك الانتهاك. عندما يتعرض الشخص للاعتداء الجنسي في سن الخامسة، يبقى هذا الجرح في الوقت الحاضر حتى لو كان الشخص الآن في الثلاثين من عمره. قد يتم حظر ذكرى ذلك من أجل البقاء على قيد الحياة، ولكنها ستكون موجودة في العديد من الأشكال: كوابيس ومخاوف وطرق التعلق بالآخرين وصحة الشخص.

من الضروري فهم أن التعبير عن جميع التجارب المؤلمة التي لم يتم التعامل معها لا يتم بشكل شخصي ولكن أيضًا في المنظمات. إن النصيحة التي يتم تقديمها بشكل متكرر بأن على المرء أن يترك مشاكله الخاصة عندما يذهب إلى العمل خاطئة وذلك فقط لأنه شيء مستحيل. يأخذ الناس أمتعتهم معهم أينما ذهبوا. من الضروري أيضًا عدم رؤية الجروح والصدمات بمعناها السلبي فقط. إنهم مصدر الخبرة والحكمة. يحول التعامل مع الصدمة الشخصية في الواقع إلى حكمة للذات وللآخرين.

إيجاد المعنى يساعد في إيجاد طاقة جديدة

ان السكان الذين لديهم جراح متضاعفة كنتيجة لضغوط دائمة يفقدون قدرتهم على اتخاذ القرارات والتخطيط للمستقبل بسبب المعاناة الزائدة التي عاشوها ولم تتم معالجتها. ومع ذلك، فإن العملية الرئيسية التي لا تصل إليها برامج التدريب التقليدية تحدث عندما يبدأ الناس في الحديث عن تاريخهم وافتراضه والتفكير فيه: يكتشف الناس المعنى والقيمة فيما اختبروه. إعادة بناء الإحساس بتاريخنا الوطني والشخصي هو طريق لفهم أن هناك معنى في ما نحن عليه وما عشناه رغم كل شيء، وهذا ما يسمح لنا بالمضي قدمًا في الحياة. لكن المضي قدمًا ممكن فقط إذا وجد الناس طاقة جديدة.

نبدأ في إعادة بناء كل من النسيج الاجتماعي وأنفسنا بقدر ما نسمح لأنفسنا بالعمل من خلال تاريخنا الشخصي وفتح أنفسنا على هذا الاحتمال. للكثير من المشاريع هدف محدد وهو “إعادة بناء النسيج الاجتماعي”، ولكن من يعيد بناء نسيج المجتمع؟ الناس يفعلون. لذا علينا أولاً إعادة بناء الناس. يجب أن يقودنا هذا الاعتراف إلى تحليل نموذج التطوير الذي نقترحه في مشاريعنا. هل هي حقا مشاريع تركز على الناس؟

اتحاد العقل والجسد والروح

كيف نبتكر نهجًا تنمويا شموليًا وجذابًا يوفر النتائج؟ لقد اكتشفنا أهمية فهم وحدة العقل والجسد والروح لتحقيق ذلك. خلقت التقاليد الغربية لسوء الحظ ثلاث مهن منفصلة – علماء النفس والأطباء ورجال الدين – للتعامل مع ما هو في الحقيقة حقيقة واحدة. الحقيقة أننا شيء واحد: العقل والجسد والروح. في عمليتنا المقترحة للعمل من خلال الألم وإعادة بناء أنفسنا، تعلمنا العمل مع الجسم من خلال الرقص والموسيقى والتاي تشي والتأمل وتمارين الاسترخاء. ونحن نفعل ذلك بقناعة أن الجسم لديه قدرة هائلة على الشفاء، وقدرته الخاصة على إعادة بناء نفسه. لقد تعلمنا أنه عندما يتحدث الناس عن تجربتهم الشخصية ويفترضونها ويبدأون في إيجاد معنى في حياتهم، فمن الأسهل اقتراح تغيير العادات وحياة أكثر صحة، وبالتالي يبدأ الناس في التخلص من العديد من الأمراض الجسدية. تحت. يعد العمل مع الجسد طريقة ممتازة لمساعدة الناس على الشعور بأنهم قادرون على التغيير.

فيما يتعلق بمسألة التنمية، فقد اعتنقنا نهج “التنمية على نطاق إنساني” الذي اتبعه التشيلي مانفريد ماكس نيف. لقد صاغ هذا المؤلف مصفوفة من الاحتياجات الإنسانية تشمل تلك المتعلقة بالعيش وكذلك الاحتياجات الأخرى المتعلقة بالعاطفة والانتماء والهوية والإبداع … كما أنه يميز بين المُرضيات والمُعوضات. في نيكاراغوا، على سبيل المثال، تعوض الدعارة الافتقار إلى الحياة الجنسية، لكنها لا تفي بالحاجة إليها. المُرضي هو عصير برتقال طازج، والمعوض هو عصير برتقالي اللون. من المهم أن تفكر المؤسسات في ما تروج له: المُرضيات أو المعوضات. بالإضافة إلى ذلك، يؤكد ماكس نيف أنه بدلاً من الاستمرار في مناقشة الفقر، يجب أن نناقش الفقراء وأن الفقر يُعرّف بأنه الافتقار المستمر لأي شكل من أشكال الإنجاز. لقد ساعدنا هذا النهج على دمج المقاربات الشخصية والتاريخية والثقافية والتنظيمية، في معرفة أنه لا يمكننا الاستمرار في الفصل بين التنمية الشخصية والاجتماعية. تحتاج نيكاراغوا من أجل التطور إلى معالجة المشكلات بطريقة أكثر شمولاً، حيث لا نتوقف أبدًا عن التعلم أو الفهم. تفرض علينا مشاريع المساعدات الدولية معايير القيادة أو المشاركة المدنية، لكن الواقع يخبرنا أنها فاشلة وأننا بحاجة إلى رؤية أكثر شمولاً.

إن النتائج لا تكذب. ولدينا الآن نتائج. بدأنا العمل مع عدد قليل من المنظمات ونعمل الآن مع مجموعة كاملة من 25 منظمة. نحن نؤمن إيمانًا راسخًا بمفهوم “الكتلة الحرجة”. لإحداث فرق، يجب أن نحول على الأقل عددًا معينًا من الأفراد. لن يهم مدى صغر حجم المجموعة طالما أن أعضائها متحررون ومستعدون لتولي مهام مهمة. هذا هو الافتراض الذي نتخذه.