تُعتبر جرائمُ قتل النساء ذروةَ مظاهر العنف بحقِّ النساء والفتيات، وهي تحدثُ في كل البلدان، وتعودُ جذورُها إلى انعدام المساواة الجنْدرية، كراهية النساء، العَسْكَرة المتنامية، اختلال موازين القوى وسوى ذلك مِن مظاهر التمييز المُؤسَساتي. على مدى عقود، كانت الحركات النسَوية في بلدان منطقة “سوانا” (جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا) تقرعُ نواقيس الخطر بشأن المعدلات المتنامية لجرائم قتل النساء، وتحضُّ الحكومات على اتخاذ خطواتٍ حاسمة وذات معنى لإنهاء القتل العمَد للنساء.
غيرَ أنَّ لا مبالاة العديد من الحكومات والمُشرَّعين حيال التصدي الشامل للعنف بحقَّ النساء، كما غياب قوانين الحماية الصلبة ووجود قوانين تُسهِّل قتل النساء أو تُخفِّض عقوبة المجرمين، أدَت في السنوات الأخيرة إلى ما يمكن وصفُه بوباء أو جائحة عبر المنطقة في هذا الإطار.
إنَّ التفاعلَ والصِلة بين الثقافة والدين، بما يبررُ غالباً الجرائمَ العنيفة بحق النساء ويوجِدُ الأعذارَ لها، بما في ذلك قتل النساء بذرائع الشرف، بالتزامن مع انكماشِ الفضاء المدني وتجْريم الحراك المدني والمُداخلات النسوية، والحُكم الاستبدادي، وصعود التطرف، والنزاعات الممتدة وكذلك الاحتلال؛ عوامل أدت مجتمِعَةً إلى ردود فعل سلبية حيال حقوق النساء وإنجازاتهن والحركات النسوية، بما زادَ من العنف الذي تواجهه النساء بصورة يومية في المنطقة. بالفعل، فإنَّ هذه الفترة يمكن وصفُها بدقة بأنها واحدة من أكثر الحَقَبات دمويةً بالنسبة إلى النساء في منطقة “سوانا”.
***
في إيران، بعثَ قتلُ منصورة قديري جاويد، وهي صحافية مخضرمة، على أيدي زوجها المحامي في 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 في طهران، بموجاتٍ من الصدمة عبر المجتمع المدني الإيراني. ووقعَت تلك الفاجعة بعد يومين فقط من جريمةِ قتلٍ زَوْجي مماثلة في مشْهد حيث قتل رجلٌ زوجته بفأسٍ لرفضها إقامة علاقة جنسية معه. مرة جديدة أثارَ العنفُ التساؤلَ عن غياب إجراءٍ قانوني شامل لحماية النساء من العنف، على رغم وجود تشريع مطروحٍ في هذا الشأن منذ 12 سنة.
وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أنَّ جرائمَ قتل النساء في إيران إلى تصاعد. ونشرت صحيفة “اعتماد” في تموز/يوليو 2024 أنه في الأشهر الثلاثة الأولى فقط من السنة (نيسان/أبريل إلى حزيران/يونيو 2024) قضت 85 امرأة إيرانية على الأقل قتلاً على أيدي أقارب مقرَّبين مِن الذكور، بما في ذلك أزواج، آباء وأشقاء.
في تركيا حيث ناضلت ناشطات حقوق النساء طويلاً لحماية النساء من العنف، رصدت منظمة “سنوقف قتلَ النساء” العددَ الأكبر من جرائم قتل النساء شهرياً في التاريخ في تشرين الأول/أكتوبر 2024. وشملَ هذا الرقمُ 48 جريمة مثبتة في إطار قتل النساء و23 حالة وفاة مريبة، مع قتل 54 في المئة من الضحايا في منازلهن و40 في المئة على أيدي أزواجهن. ووفق المنظمة، تمَّ بين كانون الثاني/يناير وأيلول/سبتمبر 2024 تسجيل 295 حالة قتل لنساء مِن قِبَل رجال و184 حالة وفاة مثيرة للريبة، لتُضاف تلك الأرقام على عقدٍ شهدَ قتلَ ثلاثة آلاف امرأة على أيدي رجال. وانسحبت تركيا عام 2021 من معاهدة إسطنبول – وهي اتفاق دولي حاسم يهدفُ إلى مكافحة العنف بحق النساء – بذريعة أنها روَّجت لقِيَم “غير مقبولة”. وقد وضعَ ذلك ملايين النساء والفتيات في البلاد في خطر أكبر أمام تهديد العنف، بما في ذلك قتل النساء.
في لبنان شهد عام 2023 صعوداً مُلفِتاً لجرائم قتل النساء، بقتل 29 امرأة، في زيادة بنسبة 300 في المئة بالمقارنة مع حالات القتل الـ11 المُسجلة عام 2022. واقترح نوابٌ/نائبات تغييريون/تغييريات، بالتعاون مع منظمات نسوية في المجتمع المدني، في وقت سابق من هذه السنة قانوناً جديداً يهدفُ إلى إزالة التمييز بحق النساء في القوانين اللبنانية التي تضع قيوداً مشددة على اللواتي يحاولن الفرار من العلاقات المؤذية.
كذلك شهد الأردن زيادةً بنسبة 94 في المئة عام 2022 في جرائم قتل النساء العائلية، مع تقارير تشير إلى قتلِ 35 امرأة وطفل/ة على أيدي أقارب من الدرجة الأولى. وأفادت منظمة هيومان رايتس ووتش أنه بينما طبَّق الأردن بعض الإصلاحات القانونية، فإنَّ المادة 340 من قانون العقوبات لا تزال تبيحُ عقوباتٍ مُخفَفة للرجال الذين يقتلون أقاربهم من النساء، في تكريسٍ لا نهاية له لثقافة الإفلات من العقاب بالنسبة إلى القتل وسوى ذلك من الجرائم وتبريرها تحت مُسمَّى “الشرف”.
زادَ النزاعُ المستمر في سوريا أخطارَ حدوث جرائم قتل النساء حيث رصدت “منسِقية المرأة” في مناطق “الإدارة الذاتية” 25 حالة لقتل النساء في شمال شرق سوريا عام 2023، بما فيها قتلٌ مُرتكب بذريعة “الشرف”. غير أنَّ العديد من الجرائم يمرُّ من دون تسجيلٍ نتيجة إخفاء العائلات للجرائم على خلفية العار أو الخوف من تداعياتٍ اجتماعية.
في تونس أشارت وزارةُ المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن إلى صعود جرائم قتل النساء من ست حالات عام 2018 إلى 23 عام 2023، بما يشيرُ إلى ارتفاعٍ كبير على فترة خمسِ سنوات، مع نسبة 71 في المئة لقتل الضحايا على أيدي أزواجهن. وضاعفت الهشاشةُ الاقتصادية التي تعاني منها العديد من النساء في تونس والمترافقة مع عدمِ وجود الحماية التشريعية، من مخاطر تعرُّض النساء للعنف.
في مصر تحدثت مؤسسة “إدراك للتنمية والمساواة” عن 165 حالة لقتل النساء عام 2020، وهذه الموجةُ المستمرة والمتصاعدة من العنف بحق النساء تبقى مسألةً مقلقة في ظلِّ ضغطِ النظام المتصاعد على الجماعات النسائية والناشطات النسويات. وسلَّط التقريرُ الضوء على كون 52،17 في المئة من الضحايا نساء متزوجات، وأنَّ 71 في المئة من جرائم القتل ارتكبَها أزواجُهن. بالإضافة إلى ذلك، لاحظَ التقريرُ أنَّ 51 في المئة من النساء الضحايا كُنَّ غير مُستقلاتٍ اقتصادياً، بما يؤكدُ التقاطعَ بين الهشاشة الاقتصادية والعنف القائم على النوع الاجتماعي.
في العراق تُظهِر البياناتُ التاريخية أنَّ قتل النساء يُسجِّل ثلاث حالات بين كل مئة ألف امرأة، وذلك اعتباراً من عام 2013، وتٌسجِّل المناطقُ الكردية على وجه الخصوص معدلاتٍ مرتفعة من الانتحار نتيجة الضغوط وارتكاب جرائم قتل وتبريرها تحت مُسمَّى “الشرف”. وجاء الموتُ المأسوي لـدوكسي آزاد، وهي امرأة متحولة جنسياً في العراق، ليلفت الأنظار إلى الأخطار المتصاعدة التي يواجهُها الأفراد المتحولون/ات جنسياً في المنطقة.
منذ استيلاء حركة “طالبان” على الحُكم في أفغانستان في آب/أغسطس 2021 ارتفع باطّراد العنفُ حيال النساء، بما في ذلك جرائم قتلهن. وفق محققين/ات يعتمدون/يعتمدنَ على المصادر الاستخباراتية المفتوحة التي تشملُ تقنيات الأقمار الاصطناعية ووسائط التواصل الاجتماعي في مركز معلومات الصمود لمشروع “الشهود/الشاهدات الأفغان/الأفغانيات”، ثمّة 332 امرأة قتلهن رجال منذ سيطرة “طالبان”.
***
ومما يثيرُ القلق عبر منطقة “سوانا” تقلصُ فضاء الحراك المدني. تواجه منظمات حقوق النساء، وهي عادة في مُقدِّمة الضاغطين/ات في سبيل إصلاحاتٍ قانونية، وتبني إجراءاتِ حماية، وتوفير الرعاية للناجيات من العنف والجرائم حيال النساء، ضغوطاً متصاعدة من الدولة والأجهزة الأمنية. يخضعُ الفضاءُ المدني لتهديدٍ مستمر، وذلك بإقفال منظمات ومضايقة ناشطين/ات واستجوابهم/ن، وفي الحالات القصوى توقيفهم/ن واتهامهم/ن بانتهاك الأمن القومي. وتركَ المناخ المعادي فراغاً في دعمِ النساء اللواتي يواجهن العنف، مما ضاعفَ من انتشارِ قتل النساء في المجتمعات.
تدعو “فيمينا” الحكومات في منطقة “سوانا” إلى المعالجة الطارئة لمطالب المجموعات النسائية القائمة منذ أمَدٍ في ما يتعلق باعتماد قوانين شاملة تعالجُ العنف القائم على النوع الاجتماعي. ويجب أنْ تتضمن تلك القوانين إجراءات تجعل الجُناة عُرْضَةً للمحاسبة الكلية على الجرائم التي يرتكبونها. وكذلك على الحكومات ضمان أنْ يكون لدى النساء والفتيات وصولٌ إلى خدمات الدعم الأساسية، بما في الملاجئ، المساعدة القانونية، موارد الصحة النفسية والعقلية وآليات العدالة لحماية حقوقهن.
بالشراكة مع منظمات النساء وحراكاتِهن، على الحكومات اتخاذ خطوات فورية لإنهاء جميع أشكال التمييز والعنف بحق النساء والفتيات. وعلى المنظمات الإقليمية والدولية، بما فيها الأمم المتحدة، دعم تلك الجهود بتسهيل التعاون الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب وضمان التعزيز الدائم لحقوق النساء.
أهم التوصيات تشمل:
1- تبني تشريعات شاملة: على الحكومات وضع قوانين صلبة مناهضة لجرائم قتل النساء والعنف القائم على النوع الاجتماعي وتنفيذها، وضمان أنّ تلك القوانين توفِّر تعريفات واضحة، وعقوبات وحمايات. ويجب أن تحظرَ تلك القوانين التساهلَ حيالَ ما يُسمّى جرائم “الشرف” وتعترفَ بجرائم قتل النساء كاعتداءات إجرامية واضحة المعالم.
2- وضع إجراءات حماية وخدمات دعم: على الحكومات توفير أنظمة دعم يسهلُ الوصولُ إليها مِن قِبلِ النساء اللواتي يواجهن العنف. وذلك يشملُ إقامة ملاجئ وتوفير خطوط هاتفية ساخنة والحماية القانونية وخدمات الصحة النفسية والعقلية وسواها من الدعم الفوري للناجيات من العنف. أضِف إلى ذلك، فإنَّ دعمَ مبادراتٍ للاستقلال الاقتصادي للنساء من شأنه المساعدة في التخفيف من دائرة العنف المرتبط بالهشاشة الاقتصادية.
3- تسهيل نشاطات المجتمع المدني ودعمها: تُعتبر المنظماتُ النسائية أساسية ولا غنى عنها في المُناصرة من أجل الضحايا، وتوفير الدعم وتحدي القِيم الاجتماعية المؤذية. على الحكومات ضمان أنَّ هذه المنظمات تستطيعُ العمل بحرية من دون خوفٍ من الملاحقة، المضايقة أو الإغلاق.
4- زيادة الوعي عبر وسائل الإعلام: تستطيعُ وسائلُ الإعلام الاضطلاعَ بدورٍ حاسم في نشر الوعي بين الجمهور، وكسر الصُوَر النمطية السلبية والمعتقدات التي تروِّج للعنف الجنسي وذاك القائم على النوع الاجتماعي وجرائم قتل النساء. على وسائل الإعلام دعم عمل المجموعات النسائية بتوسيع آفاق المدافعات عن حقوق الإنسان والنسويات وتسليط الضوء على أهمية العمل الحيوي للمجموعات النسائية في كبح العنف الجنسي وذاك القائم على النوع الاجتماعي وجرائم قتل النساء. وكذلك حملات توعية وحملات تربوية: تُعتبر البرامج التربوية وحملات نشر الوعي العام حيويةً في تحويل السلوكيات حيال النساء وإيقاف القبول بالعنف. وتهدفُ تلك البرامج إلى تفكيكِ النُظم الجندرية المؤذية والترويج للمساواة الجندرية بين المجموعات.
5- جمع البيانات والشفافية: المعلوماتُ الدقيقة عن جرائمِ قتل النساء والعنف على النساء أساسية لفهم الأزمة بفعالية ومعالجتها. على الحكومات إقامة أنظمة للتسجيل والإبلاغ عن حالات جرائم قتل النساء وسواها من أشكال العنف القائم على العنف الاجتماعي، وذلك بهدف توجيه السياسات وقياس التقدم.
6- تعاون دولي ومحاسبة: التعاون الإقليمي أساسي في مكافحة جرائم قتل النساء. على الهيئات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، العمل مع الحكومات والمنظمات النسائية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفرض الاتفاقات والبروتوكولات المتعلقة بالحقوق الجندرية.
في سبيل تلك الغاية، من المهم أن تعمل الأمم المتحدة والدول الأعضاء فيها لتفادي التآكل الإضافي في الثقة العامة في آليات حقوق الإنسان الدولية، وذلك بضمان الثبات والتماسك في تنفيذ قوانين حقوق الإنسان ومعاييرها، خصوصاً في ما يتعلق بفلسطين. إنَّ فقدان شرعية أنظمة حقوق الإنسان والمعايير المزدوجة لبعض الحكومات الغربية يساهمُ في تقهقر شرعية الحركات النسائية والهجمات العنيفة عليها، هي التي اعتمدت على الأمم المتحدة وحلفاء غربيين في جهودها للمناصرة في ما يتعلق بحقوق النساء.
تحضُّ “فيمينا” صانعي/ات السياسيات على المستويات المحلية والدولية على عدم الاكتفاء بالاستماع إلى هذه التوصيات بل التحرك بسرعة وحْسم لتطبيق تغييرات من شأنها حماية النساء والفتيات من العنف. إنَّ مقاربةً شاملة نحو التغيير يجب تطبيقهُا للتصدي لانعدام المساواة البُنيوي الذي يشكل السبب الأساسي لجرائم قتل النساء، بما في ذلك غياب المساواة الجندرية المتجذرة والتمييز المُمنهج، وكراهية النساء والعَسْكرة المتنامية وسوى ذلك من العوامل. على الحكومات العمل مع المجتمع الدولي والمنظمات المحلية لحقوق النساء، وهذه فيها الخبراء/الخبيرات الأساسيون/ات وأصحاب/صاحبات المعرفة بأحوال النساء وحاجاتهن الطارئة. فقط عبرَ الجهد المٌتسق والملتزم يمكن تقليص تأثيرات جرائم قتل النساء في المنطقة، ويمكن كذلك حماية حقوق النساء للأجيال المُقبلة.