فيمينا: حق، سلام، شمولية

فيمينا: حق، سلام، شمولية
تدعم فیمینا المدافعات عن حقوق الإنسان ومنظماتهن والحركات النسوية في منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا

معلومات الاتصال

ذنب الناجية والوحدة: حياة ناشطة في المنفى

بقلم: مريم الخواجة

منبع: الغارديان

المصدر: مرکز یارا

في المرة الأولى التي اضطررت فيها إلى مغادرة البحرين، مُنحت 24 ساعة للقيام بذلك وطُلب مني عدم إخبار أحد. كان والدي قد أُبلغ أن اسمي سيظهر أثناء استجواب المعتقلين/ات السياسيين/ات، وعادة ما تكون هذه علامة على أن الاعتقال سيأتي بعد ذلك.

غادرت إلى لندن في سبتمبر 2010 بقلب مثقل، وكلي تصميم على العودة. وهكذا، بعد بدء انتفاضات الربيع العربي في الشرق الأوسط، نشطت في الدعوة إلى الاحتجاجات في البحرين، وعدت إلى وطني للمشاركة فيها.

يصبح تحمل المشقة أكثر سهولة عندما تمرين بها مع الآخرين/الأخريات.

في المرة الثانية التي غادرت فيها البحرين، أقنعني والدي أنه من الضروري أن يكون هناك شخص يحمل أصوات الحركة خارج البلاد. شعرت بثقل الانتفاضة بأكملها على كتفي. اعتقدت أن منفاي مؤقت. لم يكن لدي أي فكرة أنه لن يكون كذلك.

ينطوي كونك ناشطة في المنفى على مستويات عديدة من النضال. أولًا وقبل كل شيء هو النضال بسبب كونك بمفردك. وخاصة بالنسبة لأولئك الذين/اللواتي كانوا/كن يعملون/يعملن على الأرض. لقد فقدت فجأة عائلتك ومجتمعك وكل دعمك. من الأسهل تحمل المشقة عندما تمرين بها مع الآخرين/الأخريات.

تميل هذه العزلة إلى أن تكون مصحوبة بذنب الناجي/ة. إن هذا الشعور مألوف جدًا لمعظم النشطاء/الناشطات الذين/اللواتي نجوا/نجين عندما لا يتمكن/تتمكن غيرهم/ن من النجاة والذين/اللواتي لم يتم سجنهم/ن بينما يُسجن/تُسجن الآخرون/الأخريات والذين/اللواتي يتحركون/يتحركن بحرية. يرافقنا الشعور بالذنب طوال الوقت، وهذا الذنب هو الذي يحرك حياتنا اليومية. إنه يتركنا غير قادرين/ات على أخذ استراحة أو إجازة، لشعورنا المستمر بالمسؤولية تجاه كل أولئك الذين/اللواتي لم ينجوا/ينجين. يصبح الشعور بالذنب مستمرا: عدم الرد على رسالة صديق تم القبض عليه لاحقا، عدم قبول طلب صداقة أبدًا من شخص قُتل بعد ذلك. وتطول القائمة.

عند العمل كناشطة في المنفى، من المهم أن تتصالحي مع نقاط القوة والضعف لديك. الخطوة الأولى هي مواجهة حقيقة أنك الآن في المنفى، وأن عليك إعادة التكيف وإعادة التخطيط فيما يتعلق بالدور الذي يمكن أن تلعبيه من أجل قضيتك. بالنسبة للعديد من الناشطين/ات، فإن النجاح في عملهم/ن لا يتعلق فقط بالرضا عن النفس، بل هو ما يسمح لهم/ن بتبرير المنفى لأنفسهم/ن وعدم فقدان الأمل. إحدى أهم الخطوات الأولى هي رسم خريطة لجميع حلفائك ومؤيديك وتحديدهم/ن. تزداد قدرتك على تحفيز التغيير مع توسع شبكتك.

ومن أكبر المشاكل التي اكتشفتها أن الشعور بالعجز أسوأ من الشعور بالخوف. أنا لا أتحدث عن أي خوف، ولكن الخوف من مطاردة الشرطة ورؤية قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي تتطاير بالقرب من رأسك، مع العلم أنك قد لا تعودين إلى المنزل في تلك الليلة. إن الشعور بالوجود في المنفى – بمعرفة أن أحد أفراد أسرتك قد يتعرض للتعذيب في تلك اللحظة، ومعرفة أنك لا تستطيعين فعل أي شيء لمنع حدوث ذلك – هو العجز.

هناك أيضًا حاجة إلى فهم أن التواجد في الخارج يعني أنه لا يمكنك التحدث نيابةً عن من في الداخل. أحب أن أعتبر نشاطي في المنفى أقرب إلى شكل مكبر صوت: وظيفتي هي التأكد من استمرار سماع صوت الناس في البحرين بغض النظر عن مدى إبداع النظام في محاولة إسكاتهم/ن. العامل الأكثر أهمية هو البقاء على اتصال – على الرغم من أن هذا يأتي مع مشاكله الخاصة.

يساعد الإنترنت على تلقي تحديثات في الوقت الفعلي حول كل ما يحدث على الأرض في بلدي على الرغم من كوني على بعد آلاف الأميال. وهذا يسمح لي بالبقاء على تواصل وأن أكون على دراية بما يحدث، وأن أتفاعل عند الضرورة. ولكن هذا أيضًا يجعلني أشعر بالإرهاق. هناك حاجة دائمة للتواصل، وأشعر بالقلق من فقدان هذا التواصل. يبدو الأمر كما لو كنت تعيش في عالمين في نفس الوقت – ونادرا ما يلتقي هذان العالمان.

أكبر عقبة هنا هي مخاطر المراقبة والأمن التي يحملها الإنترنت. إن التواصل مع الأشخاص الموجودين/ات على الأرض قد يعني تعريضهم/ن للخطر، ويجب أن تكوني في حالة تأهب قصوى وجدية في جميع الأوقات فيما يتعلق باحتياطات الأمن الرقمي التي تتخذيها. يميل/تميل الناشطون/ات الذين/اللواتي يعيشون/يعيشن في الخارج إلى أن يصبحوا/يصبحن أكثر استرخاءً بشأن المراقبة والأمن الرقمي بسبب الشعور غير المعتاد بالأمان. و بالرغم من توافر الأمن الرقمي، كل الأشخاص المتصلين/ات هم في امان ضعيف بسبب ضعف امان روابط التواصل على النت، ويتعين على النشطاء/ات في المنفى أن يذكروا/يذكرن أنفسهم/ن بالمخاطر التي يواجهها/تواجهها أولئك الذين/اللواتي يتواصلون/يتواصلن معهم/ن. ولهذا السبب يصبح وضع قواعد صارمة لنفسي كناشطة في المنفى أمرًا بالغ الأهمية.

كانت إحدى القواعد الأولى التي اتخذتها لنفسي بعد أن اضطررت لمغادرة البحرين هي عدم دعوة الناس هناك إلى القيام بشيء لن أفعله بنفسي. سأشارك الدعوات للاحتجاجات، لكنني لن أدعو الناس أبدًا إلى الخروج ما لم أستطع أن أكون معهم/ن. وهذا مستمد من الموقف الأخلاقي المتمثل في عدم مطالبة الناس بالتضحية بأنفسهم/ن عندما لا تفعلين ذلك بنفسك.

بالنسبة لمعظم الناشطين/ات، سيبقى المنفى دائما مؤقتا – على الأقل هذا ما يعتقدون/يعتقدن. إن خطة العودة موجودة دائمًا في الجزء الخلفي من أذهانهم/ن. ومن ناحية أخرى، هناك أيضًا الكثير مما يمكن تعلمه حول أهمية دور الناشطين/ات في المنفى من النضالات الأخرى.

ومن الأمثلة على ذلك النضال ضد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. لعبت الحركة الدولية دورًا حاسمًا في إنهاء نظام الفصل العنصري. في حين أن النضال الشعبي المحلي هو جوهر الحركة، فإن أولئك الذين/اللواتي عاشوا/عشن في المنفى قاموا/قمن بتوسيع ذلك والبناء عليه.

هناك سبب وراء محاولة الديكتاتوريين عزل الحركات داخل حدودهم عن بقية العالم؛ ومن ناحية أخرى، لماذا يبذل المجتمع المدني قصارى جهده لتجاوز الحدود والتواصل مع الناس على منصة دولية. هناك قوة في الوحدة والجماعة.

خلاصة الأمر هي: هل يمكنني إحداث فرق أكبر من خلال العمل في المنفى، أو الجلوس في زنزانة السجن في البحرين؟