عانت سوريا من الحكم الاستبدادي لأكثر من خمسة عقود، والذي اتسم بانتهاكات واسعة ومنهجية لحقوق الإنسان، تلتها أربعة عشر عامًا من الحرب الوحشية التي شهدت خروقات جسيمة للقانون الإنساني الدولي من قِبل جميع الأطراف. تمكّنت قوات المعارضة في تحوّل مفصلي بتاريخ البلاد، بقيادة فصيل “هيئة تحرير الشام” ذي التوجّه الإسلامي، من الإطاحة بنظام بشار الأسد خلال أحد عشر يومًا فقط، انتهت بخروج الأسد إلى المنفى في ٨ كانون الأول/ديسمبر ٢٠٢٤.
تمثّل هذه اللحظة منعطفاً حاسماً في التاريخ السوري، حيث تفتح آفاقاً واعدة أمام عملية انتقال سياسي، وتحقيق العدالة والمساءلة، وإعادة الإعمار والمصالحة. ورغم ما تحمله هذه المرحلة الانتقالية من إمكانات كبيرة، فإنها في المقابل تطرح تحديات عميقة ومقلقة. المجازر الطائفية التي وقعت مؤخراً في المناطق الساحلية السورية، والتي راح ضحيتها نحو ١٣٠٠ شخص، معظمهم من المدنيات والمدنيين من الطائفة العلوية التي تنتمي إليها عائلة الأسد، تؤكد على أن التوترات الطائفية لا تزال تشكّل تهديداً حقيقياً للاستقرار والسلام في سوريا لكل السوريات والسوريين، دون استثناء.
تشعر السوريات والسوريون من مختلف الانتماءات السياسية بالقلق من الخلفية الفكرية والسياسية لـ “هيئة تحرير الشام”، التي كانت حتى عام ٢٠١٦ مرتبطة بتنظيم القاعدة، وقبل ذلك بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وهناك مخاوف جدية من أن البنية الاجتماعية والثقافية المتنوعة في سوريا – بتعدديتها الإثنية والدينية والثقافية – لا تنعكس في تركيبة الحكومة المؤقتة الحالية. وبينما يُقَدّر كثير من السوريات والسوريين دور الهيئة في الإطاحة بالنظام، فإن المخاوف ما تزال قائمة بشأن تقاسم السلطة، والشمولية، ووهيمنة التوجهات الأيديولوجية خلال المرحلة الانتقالية بعد الأسد. إن مفتاح الانتقال الناجح نحو الديمقراطية في سوريا يكمن في تحقيق الشمول والتعددية، ولكن الوصول إلى هذا الهدف لا يزال صعباً، ويواجه عراقيل بنيوية ومجتمعية وسياسية.
سيستعرض هذا التقرير بعضًا من أبرز التحديات التي سيضطر فاعلات وفاعلو المجتمع المدني لمواجهتها في سوريا ما بعد الأسد، مع التركيز على أربعة مجالات رئيسية: (١) حقوق المرأة وقضايا التعددية والشمولية؛ (٢) المساءلة عن الجرائم السابقة والعدالة الانتقالية؛ (٣) الانتقام والقتل على أساس طائفي؛ (٤) الانهيار الاقتصادي الناتج عن حربٍ طويلة الأمد وعقوباتٍ دامت عقودًا.