فيمينا: حق، سلام، شمولية

فيمينا: حق، سلام، شمولية
تدعم فیمینا المدافعات عن حقوق الإنسان ومنظماتهن والحركات النسوية في منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا

معلومات الاتصال

الراحة كشكل من أشكال العدالة الاجتماعية في حركاتنا

بقلم: لاكي كوبوغيبي وإيريس نكسومالو-دي سمدت
المصدر: COFEM

لقد كُتب وقيل الكثير عن الراحة، ونحن نعي اليوم أنها فعل سياسي بامتياز؛ مورد يعيد إلينا طاقتنا، يساعدنا على الانتقال من مجرد النجاة إلى الازدهار، ويُمكّننا من تكريم حركاتنا وأنفسنا. لكن يبقى السؤال: لماذا يُصبح الحق في الراحة عسيراً إلى هذا الحد؟

الراحة فعل جذري وواعي، يضع رفاهيتنا الجسدية والنفسية والروحية والعاطفية في قلب الأولوية.

نحن، كنسويات وناشطات في بناء الحركات لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات، نشهد كيف تُعطِّل الصدمات الثانوية، وثقافات التضحية بالذات، والإفراط في العمل، والممارسات المؤسسية غير العادلة، وإدمان الاستعجال، والعنف البنيوي—محاولاتنا لتجسيد الراحة كحق وكممارسة من ممارسات العدالة الاجتماعية. كما ندرك أثر “ثقافة الإنهاك” وضغط أن نكون دائماً “مشغولات ومطلوبات” على علاقتنا بالراحة، وهو ما يكشف عن ديناميات التقاطعية التي تُعيد تشكيل طرق وصولنا إليها.

عبر تسييس الراحة، نستطيع كشف دور السلطة والامتياز في تحديد من تملك حق الوصول إليها ومن تُحرَم منها. فالأشخاص اللواتي يتمتعن بامتيازات مرتبطة بالطبقة أو العِرق أو النوع الاجتماعي أو الجنسية أو التعليم أو القدرة الجسدية، قد تتاح لهن مسارات متعددة للراحة، بينما تواجه أخريات مقاومة وعوائق أكبر لممارستها. كما يفتح لنا تسييس الراحة المجال لإدماجها في النقاشات الأوسع حول الرعاية الجماعية والبنيوية؛ أي كيف نُؤسِّس للراحة ونرسّخها في عملنا، ومنظماتنا، وحركاتنا، والأنظمة التي تُشكِّل حياتنا. والأهم، وكما تشير ويلسون وشيبيرز وواجنر، فإن تسييس الراحة يضمن ألا نقترح حلولاً فردية لتحديات هي في جوهرها بنيوية وهيكلية.

ندرك أن الراحة تصبح عسيرة في ظل الرأسمالية وبقية أنظمة القمع والتمييز—من عنصرية، وتمييز جنسي، وطبقية، واستعمارية، وغيرها—التي تشكّل تجاربنا مع الظلم واللامساواة. هذه المنظومات تدفعنا للتعامل مع أجسادنا كأدوات إنتاج، لا كأوعية إنسانية نعيش ونختبر بها العالم. من هنا، تُصبح الراحة فعل مقاومة. وكأي فعل مقاومة، فهي تفتح أمامنا إمكانات جديدة للحياة والتنظيم. وعندما نختار الراحة، فإننا نبتكر أنماطاً بديلة للتنظيم والعيش، تجعل منها ممارسة من ممارسات العدالة في حركاتنا وفي العالم.

في العام الماضي، أطلقت شبكة الوقاية من العنف القائم على النوع الاجتماعي حملة بعنوان «الراحة: مقاومتنا الجماعية» ضمن فعاليات حملة الـ١٦ يوماً لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات.  ومن خلال هذه التجربة، خرجنا بعدة دروس أساسية:

  • الراحة فعل واعٍ ومقصود. لا تأتي من تلقاء نفسها، بل علينا أن نختارها ونخطط لها كحق. كثير من المشاركات استطعن أن يجدن لحظات راحة حين وضعن لأنفسهن أنشطة يومية بسيطة مثل كتابة اليوميات، ممارسة الزومبا، القيلولة، أو أي مساحة صغيرة للتوقف.
  • الراحة تُثمر وتُغيّر. العديد من النساء عبّرن عن دهشتهن من تأثيرها العميق؛ إذ شعرن بطمأنينة أكبر، وانخفاض في التوتر، واستعادة للطاقة والإبداع بعد أن منحْنَ أجسادهن وأرواحهن إذناً بالراحة.
  • الراحة ليست فردية، بل جماعية. لا يمكن لأي منا أن ترتاح أو تعتني بنفسها وحدها، دون وجود رعاية ودعم متبادل من دوائرها المختلفة—الأسرة، العمل، الأصدقاء، والمجتمع. الرعاية الجماعية شرط أساسي لكي تتحقق الراحة للجميع.

كما تقول هوب ورودو شيغودو: «إن حركاتنا وُلدت من رحم المقاومة في مواجهة قوى وأنماط السلطة التي تهيمن وتُخضِع وتَقمع. وإننا حين نرعى منظماتنا وحركاتنا ونغذيها بالرعاية الجماعية والرفاهية، فإننا نُهيّئ أنفسنا لمواجهة هذا النوع من السلطة وتحدّيه وتحويله.» 

الراحة ركيزة أساسية وجوهرية في حركاتنا النسوية. فهي حق جماعي، وليست امتيازاً فردياً. في النهاية، يجب أن نملك جميعاً القدرة على أن نضع أدوات النضال جانباً، ونمنح أجسادنا وأرواحنا فسحة لنكون مع ذواتنا. فالراحة ليست مجرد وسيلة ليصبح الأفراد أكثر قدرة على العطاء والإبداع، بل هي ضرورة لتمكين الجماعة بأكملها. فالجماعة التي تستريح تصبح أكثر تماسكاً وصحة وابتكاراً، وتتحرك بإيقاع الثقة والرعاية المتبادلة.

غالباً ما نتحدث عن الراحة بوصفها وسيلة لزيادة الإنتاجية، لكن علينا أن نعيد التفكير فيها كقيمة مرتبطة بالعدالة الاجتماعية، والكرامة، والتحرر، والاحترام، والرعاية المتبادلة لأنفسنا وللأخريات. فالهدف المشترك لكل حركاتنا هو الدفع نحو العدالة، والراحة بحد ذاتها شكل من أشكال العدالة. إنها واحدة من الغايات الجوهرية لحركاتنا، إذ تفتح أمامنا آفاقاً لرفاهية أعمق، وشفاء، وكمال، ووفرة، وممارسات تنظيمية أقل استنزافاً وأكثر إنسانية في مسيرتنا نحو العدالة الاجتماعية.

حين نرى الراحة كشكل من أشكال العدالة الاجتماعية داخل حركاتنا، فإننا ننفتح أيضاً على فهم أعمق لكيفية ارتباط بناء الحركات بما يُسمّى “التنظيم حول الصدمة”. وكما تُعرّفه ساندي بلوم، فإن التنظيم حول الصدمة يحدث عندما يُعاد تشكيل الفرد أو الأسرة أو المنظمة أو النظام أو الثقافة بشكل أساسي وغير واعٍ حول أثر الضغوط المزمنة والسامة، حتى وإن كان ذلك يُقوّض قدرتها على التكيّف. بالنسبة إلينا، يوضّح مفهوم التنظيم حول الصدمة أن الأنظمة والحركات يمكن أن تُصاب بجراح، لكن الأهم أن الراحة والشفاء يشكّلان دعوة جوهرية لإعادة التنظيم بطريقة مختلفة—وربما أكثر عدلاً—في سعينا لإنهاء العنف ضد النساء والفتيات وتحقيق العدالة الاجتماعية.

لذلك، من الضروري أن نتحرر من حصر الراحة في منظور فردي ضيق، وأن نتبناها كقيمة وممارسة جماعية. فكيف يمكننا تحقيق ذلك؟ إليكن/إليكم بعض المقترحات:

  • إدماج أنشطة الرعاية الذاتية والجماعية في جميع جوانب عملنا. على سبيل المثال، تخصيص وقت للتأمل، أو القيلولة، أو اللعب، أو أي ممارسات تُعيد إلينا توازننا.
  • استكشاف طرق مختلفة لدمج الراحة في أنماط عملنا اليومية. يمكن أن يشمل ذلك التفكير في أسابيع عمل أقصر، وإدارة حدودنا الزمنية بشكل أفضل، وخلق مساحات أوسع ومرونة أكبر في جداولنا ومواعيد عملنا. إدماج أولويات الراحة في خططنا الإستراتيجية والسنوية. ويعني ذلك تخصيص موارد—مالية وغير مالية—لدعم تحقيقها. يشمل ذلك أيضاً الدعوة للممولين من أجل تبني توقعات أكثر مرونة، وزيادة التمويل الموجّه لدعم الراحة والرعاية كجزء أساسي من استدامة الحركات.
  • أن نكون أكثر وعياً بتوزيع العمل داخل الحركة. أي أن نشارك السلطة، والمهام، والمسؤوليات، وعمليات اتخاذ القرار. وإذا كنا في موقع إداري أو قيادي، فمن المهم أن نتواصل باستمرار مع الزميلات والزملاء لمناقشة حجم عبء العمل، وكيف يمكن تقاسم المسؤوليات أو تخفيفها. ومن موقع السلطة، علينا أن نستخدم امتيازاتنا لزرع وتعزيز ثقافات الرعاية والراحة داخل الحركة، كما يشير تقرير مراجعة الأدلة الصادر عن SVRI.
  • الأجر العادل عن العمل الذي ينجزه الجميع داخل الحركة. فكثيراً ما يُتوقَّع من النساء اللواتي يقمن بعمل بناء الحركات أن يقدمن المزيد من العمل التطوعي، وأن يقبلن بأجور منخفضة، بينما يُدفع للرجال الذين يُستقدَمون للقيام بالعمل نفسه مبالغ أعلى، مما يعيد إنتاج نفس البُنى الهرمية والظلم الذي نسعى إلى تفكيكه. ومن المهم أن نستكشف إمكانيات إدراج التأمين الطبي/الصحي، وصناديق التقاعد أو المعاشات، وصناديق الرعاية الجماعية، وأشكال أخرى من الدعم، ضمن حزم التعويضات للأشخاص العاملين/ات في هذا المجال.
  • وضع سياسات وبناء هياكل تنظيمية تُمكِّن الجميع من الوصول إلى الراحة. على سبيل المثال: اعتماد سياسات إجازات عادلة، أو تنظيم فترات “إغلاق مؤسسي” تُعطِّل خلالها المكاتب وأماكن العمل لفترة محددة، بما يتيح فسحة للراحة والتقاط الأنفاس. مثل هذه السياسات لا تدعم الأفراد فقط، بل تعزز ثقافة جماعية تُعترف فيها الراحة كحق أساسي للجميع.
  • نحن بحاجة إلى المزيد من أشكال التعاون المبني على الثقة. فعندما نعمل معاً عبر الحركات المختلفة، نصبح قادرات على إنجاز المزيد دون استنزاف أنفسنا أو تكرار الجهود. ونحن ندرك أيضاً أن بناء شراكات فعّالة يتطلّب وقتاً، واستثماراً حقيقياً في تعزيز الثقة المتبادلة، والاعتراف المتكافئ، وتبادل المسؤوليات بشكل عادل. فالثقة ليست مجرد قيمة أخلاقية، بل شرط أساسي لبناء تضامن راسخ ومستدام بين حركاتنا.

من الضروري ألّا نحمل شعور الذنب لأننا لم نرتح بعد؛ فالراحة ليست ترفاً ولا أنانية، بل حق وعدالة. يمكننا أن نبدأ من حيث نحن الآن، بخطوات صغيرة نحو بناء مسارات جماعية عادلة للراحة والرفاه. نعم، قد يبدو تخصيص وقت لأنفسنا وإدماج الراحة في عملنا النَسوي والتنظيمي أمراً شاقاً وسط الضغوط، لكنه ليس مستحيلاً. الراحة هي إحدى “الآفاق الجديدة” في نضالنا، أفق يفتح أمامنا إمكانيات لتجسيد الفرح والصحة والحرية التي نحلم بها. والسؤال الملحّ: هل سنغتنم هذه اللحظة لنحوّل الراحة إلى ممارسة مقاومة، وعدالة، وشرط من شروط تحررنا الجماعي؟