شهدت سوريا لحظة تاريخية مع إطلاق سراح المعتقلين من مراكز الاعتقال والفروع الأمنية سيئة السمعة، مثل سجن صيدنايا، وفرع ٢٣٥ (“فلسطين”)، وسجن عدرا، حيث تم لم شمل آلاف المعتقلين مع عائلاتهم. ومع ذلك، لا يزال أكثر من ١٠٠٠٠٠ شخص تحت الاعتقال التعسفي و/أو الاختفاء القسري، وما زالت أماكن وجودهم ومصائرهم مجهولة. أمام هذا الواقع وغياب الدعم الكافي، اضطرت العائلات لتحمل مسؤولية البحث عن أحبائها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والمستشفيات، ومراكز الاعتقال، وحتى المقابر في محاولة يائسة للعثور على أثر لهم.
بحلول أغسطس ٢٠٢٤، قدّر أن أكثر من ١٥٦٠٠٠ مدني تعرضوا للاختفاء القسري أو الاعتقال التعسفي في سوريا، بينهم أكثر من ١٣٦٠٠٠ شخص محتجزون في مراكز اعتقال تديرها الحكومة السورية. وثقت منظمات حقوق الإنسان الدولية والمحلية ممارسات واسعة النطاق في هذه المراكز، تشمل التعذيب، والضرب، والتجويع، وعمليات الإعدام الجماعية والقتل.
إضافة إلى ذلك، تم توثيق حالات من العنف الجنسي القائم على النوع الاجتماعي في مراكز الاحتجاز السورية، مع آثار عميقة ومتعددة الأبعاد وطويلة الأجل على الناجيات. وبينما تم تنفيذ معظم حالات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري من قبل القوات الحكومية السابقة، قامت جماعات مسلحة متعددة بارتكاب هذه الجرائم أيضًا، بما في ذلك هيئة تحرير الشام، التي تسيطر حاليًا بحكم الأمر الواقع.
ورغم أن معظم ضحايا الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري في سوريا هم من الرجال، فإن تأثيرات هذه الجرائم غير المباشرة تؤثر بشكل كبير على النساء. يؤدي اختفاء المعيل الرئيسي في الأسرة إلى تحميل النساء أعباء اقتصادية ونفسية مضاعفة، حيث يضطررن لتوفير الدخل ودعم أسرهن، في ظل ضعف وصولهن للموارد المالية ومعاناتهن من التمييز الاقتصادي الممنهج. كما تتحمل النساء عبء البحث عن أحبائهن المختفين والدعوة المستمرة للإفراج عنهم، مما يضاعف من معاناتهن النفسية والاجتماعية. علاوة على ذلك، تواجه النساء تحديات قانونية مثل عدم قدرتهن على الزواج مجددًا أو الحصول على الميراث أو السفر مع أطفالهن في غياب موافقة الزوج أو إثبات وفاته.
تدعو فيمينا إلى عملية عدالة انتقالية تركز على الناجين وتراعي الفوارق الجندرية، تأخذ بعين الاعتبار أوجه التفاوت الهيكلية التي أدت إلى آثار متباينة على النساء والمجتمعات المستبعدة هيكليًا، سواء كانوا ضحايا مباشرين أو غير مباشرين. يجب الاعتراف بالنساء والمدافعات عن حقوق الإنسان، سواء كناجيات من الاعتقال أو كمناصرات عن أحبائهن المختفين، كجهات أساسية في عمليات البحث عن الحقيقة والعدالة والمساءلة والمصالحة.
التوصيات:
- تحث فيمينا المجتمع الدولي، خاصة وكالات الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر، على تكثيف جهودهم للبحث عن المفقودين. ولا ينبغي أن يقتصر البحث عن المختفين على مراكز الاحتجاز التي كانت تحت سيطرة الحكومة السابقة، بل يجب ممارسة ضغوط دولية على هيئة تحرير الشام للإفراج عن المحتجزين في مراكز الاعتقال في إدلب.
- ندعو هيئة تحرير الشام والمجتمع الدولي إلى حماية الأدلة التي يمكن استخدامها في عمليات المساءلة والعدالة المستقبلية، بما في ذلك تخصيص الموارد والخبرات لاستخراج الجثث من المقابر وفقًا للمعايير والإجراءات الجنائية.
- نطالب بإعطاء الأولوية لدعم شامل ومتعدد الأبعاد للمعتقلين المفرج عنهم وأسر المختفين. كما ندعو المنظمات الدولية للتعاون مع مجموعات المجتمع المدني المحلي والمنظمات النسوية وجمعيات الضحايا لضمان حصول الناجين وعائلاتهم على الرعاية والحماية والدعم اللازم لإعادة الاندماج.
- نؤكد على أهمية إشراك الناجين من الاعتقال وأسر المختفين في قيادة عمليات العدالة والمساءلة لضمان حقهم في معرفة الحقيقة والحصول على التعويض.
- ندعو إلى عمليات عدالة ومساءلة مستقلة ومحايدة وشاملة تمتد لتشمل ليس فقط جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها الحكومة السورية السابقة، بل جميع مرتكبي الجرائم الدولية.
تعرب فيمينا عن تضامنها المطلق مع الناجين والناجيات من مراكز الاعتقال السورية وأسر المختفين والمختفيات قسرًا، الذين واللواتي ما زالوا يعانون من عدم اليقين والمعاناة الهائلة حتى بعد سقوط نظام الأسد. كما نكرّم صمود العائلات السورية التي تواصل البحث عن أحبائها، ونقف مع جميع السوريين والسوريات في سعيهم نحو مستقبل مبني على العدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان.