فيمينا: حق، سلام، شمولية

فيمينا: حق، سلام، شمولية
تدعم فیمینا المدافعات عن حقوق الإنسان ومنظماتهن والحركات النسوية في منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا

معلومات الاتصال

فيمينا في قلق شديد من توسُّع قدرات إسرائيل في اعتقال النساء الفلسطينيات وإساءة معاملتِهن منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر

نحن في “فيمينا” شديدات القلق بشأن المدى الواسع للاعتقالاتِ التعسفية الإسرائيلية وإساءة معاملة آلاف الفلسطينيين، خصوصاً مئات النساء، بينما تواصل إسرائيل هجومَها العسكري الوحشي على قطاع غزة.

في مقابلة مع “فيمينا”، شاركت مُدافعةٌ فلسطينية عن حقوق الإنسان تفاصيلَ مروعة عن اعتقالها من منزلها في الضفة الغربية واحتجازها بعد ذلك لثلاثة أشهر في اكتظاظٍ وظروف غير صحية تحمَّلت خلالها إساءاتٍ جسدية ولفظية. بحسب “ميم”[i] حطَّم حشدٌ مِن أكثر من 60 جندياً اسرائيلياً بابَها واقتحم هؤلاء منزلها ونهبوه عند الساعة الثانية فجراً. عُصِبَت عينا “ميم” وقُيِّدت يداها وقُذِفَت على أرضية آليةٍ عسكرية استخدمها الجيشُ الإسرائيلي لاقتيادِها إلى منشأة اعتقال. بعد تنقلها بين منشآتِ اعتقال مختلفة، أمضت “ميم” معظم فترة توقيفها الممتدة على مدى ثلاثة أشهر في سجن الدامون خارج مدينة حيفا حيث تمَّ الإبلاغُ عن احتجازِ معظم النساء المعتقلات مِن الضفة الغربية. لم تُبّلَّغ “ميم” أبداً بسبب توقيفها ولم تُوجَه لها أي تهمة بأي جريمة. كانت “معتقلة إدارية”، وهذا توقيفٌ وقائي تنفذه إسرائيل دورياً وتبرِّره منذ عقود بذرائع أمنية.

أثناء احتجازِها في سجن الدامون، اختبرَت “ميم” الأوضاعَ المزرية للعديد من النساء الموقوفات، وبينهن امرأة حامل في شهرها الثامن وأخرى تعاني من اكتئاب وثالثة لديها مشاكل صحية ناجمة من التهابٍ في ساقها وهي كانت أوقفت بُعَيد ولادتها.

برَّرت الحكومة الاسرائيلية اعتقالاتِها الكثيرة والكبيرة بحُجج أمنية. ووفق “ميم”، فإنَّ العديد من النساء المحتجزات أوقِفن على خلفية منشوراتٍ على مواقع التواصل الاجتماعي عن الحرب في غزة.

الاعتقال الإداري كأداة قمعٍ إضافية

في ظل الاعتقالِ الإداري، تحتجزُ الدولةُ الإسرائيلية أشخاصاً لمدة ستة أشهر متتالية قابلة للتجديد إلى ما لا نهاية ومن دون أي محاكمة. أوقف آلافُ الفلسطينيين والفلسطينيات إدارياً لفتراتٍ تتراوح بين بضعة أشهر إلى عدة سنوات. ومع أنَّ القانون يفرضُ مثولَ المعتقلين/ات الإداريين/ات أمام قاضٍ/قاضية في غضون ثمانية أيام من توقيفهم/ن، فإنَّ العديد من المنظمات الحقوقية أفادَت أنَّ تلك الإجراءات هي في معظمِها واجهة للمراجعات القضائية، حيث أنَّ القضاة/القاضيات يحيلون/يُحِلن الأمر عادةً إلى النيابة العامة، بما في ذلك مطالبتهم/ن بأنْ تبقى الأدلةُ سريةً لأسبابٍ تتعلق بالأمن القومي. وتجعلُ سِريةُ الأدلةِ المعتقلين/ات ووكلائهم/ن ووكيلاتهم/ن غير قادرين/ات على تقديم دفاع يدحضُ تلك المزاعم.

تبقى الاعتقالاتُ الإدارية أداةً تعسفية واعتباطية للقمع، تماماً كالإطار القانونية الذي طوَّرته إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ذاك الإطار القانوني الذي أقيم عام 1967 بموجب الأمر العسكري الرقم 378، أسَّس المحاكم العسكرية، وفيه أنَّ صلاحيات الشرطة والنيابة العامة والقضاء يُعهدً بها إلى المؤسسة نفسها – الجيش الإسرائيلي.

إنَّ هذا النظام الجزائي والقضائي القمعي يُطَّبق على الفلسطينيين/ات دون سواهم/ن، وهو انتهاكٌ واضح للقانون الدولي. إنَّ عدمَ قانونية هذا الإطار القانوني كانت موضِعَ تنديدِ الفلسطينيين/ات، وانتقادِ قراراتٍ عدة للأمم المتحدة وإدانةٍ واسعة النطاق مِن منظمات دولية وإسرائيلية مُدافعة عن حقوق الإنسان.

قانون المقاتلين غير الشرعيين يمنحُ الجيشَ الإسرائيلي سُلطاتٍ شاملة

وثمَّة مَدْعاة خطيرة أخرى للقلق هي السُلطات المتسعة والشاملة التي منحتها الكنيست الإسرائيلية للجيش. ففي كانون الأول/ديسمبر 2023، عدَّلت الكنيست الإسرائيلية “قانون المقاتلين غير الشرعيين” الذي تبنته بالأساس عام 2002، لمنحِ الجيش سلطات شاملة وكبيرة أكثر لاعتقال أي كان ممن يُشتَبه في انخراطه/ا في أعمال عدائية ضد إسرائيل أو يُشكَّل/تُشكِّل تهديداً لأمن الدولة. ومدَّد التعديل الوقتَ المسموح للجيش لاحتجاز فلسطينيين/ات من دون أمرِ توقيف من 96 ساعة إلى 45 يوماً. كما زادَ الزمنَ الأقصى لاحتجاز موقوف/ة قبل مثوله/ا أمام قاضٍ/قاضية لمراجعة أمر الاعتقال من 14 يوماً إلى 75 يوماً، ومدَّد فترة احتجاز موقوف/ة من دون رؤية محام/محامية من 21 يوماً إلى نحو ستة أشهر (خُفِّضت لاحقاً إلى ثلاثة أشهر).

إنَّ تلك السلطات الواسعة تجعلُ حدوثَ انتهاكات أكثر سهولة كما وثَّقت تقارير أثبتت أنَّ إسرائيل تستخدمُ ذاك القانون لعزل المدنيين/ات الفلسطينيين/ات اعتباطياً عن العالم الخارجي، واحتجازهم/ن لفترات مطولة من دون تقديم أدلة تدينهم/ن. ووفق تلك التقارير، تحدث موقوفون/ات عن عصب أعينهم/ن وتقييد أيديهم/ن طوال فترة احتجازهم/ن وإرغامهم/ن على البقاء في وضعيات مُتعبة لأوقات طويلة.

إلى ذلك أفاد “أطباء لحقوق الإنسان” في إسرائيل أنه منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، صارت السجون الإسرائيلية “جهازاً للعقاب والانتقام”، مع تدهور ظروف الاحتجاز إلى ما دون الحد الأدنى المطلوب قانوناً بكثير، الأمر الذي يعرِّض حياة الذين/اللواتي هم/هن قيد الاعتقال للخطر.

اعتداءات جنسية وظروف اعتقال مهينة للنساء

أبدى فريق من خبيرات الأمم المتحدة قلقه الشديد حيال شهادات ذات صُدقية باعتداءاتٍ جنسية ومعاملة غير إنسانية ومهينة تعرَّضَت لها السجينات والموقوفات. فعلى سبيل المثال، أشارت خبيرات الأمم المتحدة إلى تقارير عن تعْرِية سجينات فلسطينيات وتفتيشيهن على أيدي جنود إسرائيليين وتهديدِهن بالاغتصاب والعنف الجنسي.

منذ صدور بيان خبيرات الأمم المتحدة، ظهرت تقارير جديدة عن سوء المعاملة في السجون الإسرائيلية، بما في ذلك تقرير حديث صادر عن منظمة “بتسيلم”، وهي إحدى أبرز منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية. يكشف التقرير عن شهادات جُمعت من 55 معتقلًا ومعتقلة فلسطينيًا/ة أُفرج عنهم/ن مؤخرًا، حيث تبيّن وجود سياسة مؤسسية ممنهجة للتعذيب وسوء المعاملة. وقد أجرت وكالة “أسوشيتد برس” مقابلات مع معتقلين بدوا هزيلين ومعنويًا منهارين، حيث كان أحدهم بالكاد قادرًا على الوقوف ولا يستطيع التحدث إلا لبضع دقائق بعد شهور من الاحتجاز في إسرائيل. وأثارت مقاطع فيديو حديثة مسربة تُظهر الاغتصاب المزعوم لمعتقل فلسطيني من قبل تسعة جنود إسرائيليين صدمة للكثيرين، مما يؤكد الحاجة إلى تحقيقات مستقلة في هذه الانتهاكات.

تتوافقُ تلك التقارير مع التجارب التي روتها “ميم” لـ”فيمينا”، وفيها أنها كانت عُرضَةً لتعْرِية مذلة للتفتيش وسخرية مهينة بلغة جنسية فاضحة وحركات جنسية واضحة بهدف إذلالها خلال توقيفها[ii]. وبالمثل، تحدثت نساءٌ أُطلِقنَ إلى وكالة “الأسوشيتد برس” عن معاملة مشابهة، وبينهن امرأة قالت إنها أُمِرَت بتقبيل علَمٍ إسرائيلي، وحين رفضت جرَّها جندي من شعرها وهشَّم وجهها عند جدار.

حين كانت في سجن الدامون، لاحظت “ميم” وجودَ العديد من الموقوفات الأُخريات، بينهن مدافعات بارزات عن حقوق الإنسان وناشطات مثل خالدة جرار، هديل شطارة، ديالا عايش، ليان كايد، ليان ناصر ويارا أبو حشيش. غير أنه من الصعوبة بمكان الحصول على أرقام دقيقة عن عدد الفلسطينيين/ات الذين/اللواتي اعتُقلوا/ن منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر. وشاركت “ميم” مع “فيمينا” أسماء نحو 60 امرأة موقوفة كن محتجزات معها في الفترة نفسها التي قضتها في سجن الدامون.

وعلى وجه الخصوص، فإنه صعبٌ جداً الحصول على أرقام دقيقة عن أعدادِ الموقوفين/ات من غزة، ذلك أنَّ حجم التوقيفات أكبر، كما أنَّ العملية تتمُّ بقدر أقل بكثير من الشفافية والتدقيق نظراً إلى السياق العنيف والمدمِّر الذي تحدثُ فيه. وواقع أنَّه بموجب التشريعات الجديدة يمكنُ إبقاء الموقوفين/ات قيد الاحتجاز لمدة أطول قبل المثول أمام قضاة/قاضيات، وهم/ن بالأساس معزولون/ات عن العالم الخارجي وغير قادرين/ات على التواصل مع أفراد عائلاتهم/ن والعالم الخارج، يجعلُ التحقق من الأرقام بدقة صعباً أكثر وأكثر. ووفق تقرير لمنظمة “هيئة شؤون الأسرى والمحررين” الفلسطينية، فإنه منذ بداية الاعتداء الإسرائيلي العسكري على غزة، تمَّ اعتقال نحو 9700 فلسطيني في الضفة الغربية وحدها، بينهم 330 امرأة. وحتى تموز/يوليو 2024، قدَّرت المنظمة غير الحكومية الإسرائيلية “هموكيد” عدد الموقوفين/ات الفلسطينيين/ات في السجون الإسرائيلية بنحو 9600.

ومع ذلك، تشير المعلومات الواردة من معتقلين/ات محررين/ات بوضوح إلى أنّ إسرائيل تستغل الاعتقال كأداة إضافية في الحرب التي تشنها على شعب فلسطين.

خُلاصة

إنَّ هذه الحرب الوحشية، وفق أقل التقديرات، أنهت حياة أكثر من 39000 فلسطيني وفلسطينية، 23 ألفاً منهم نساء وأطفال وفق هيئة الأمم المتحدة للمرأة. وكذلك نتج عن هذه الحرب تدميرٌ كلي وتعطيل للبُنية التحتية في غزة، بما في ذلك خدمات القطاع الصحي الحيوية. وفي حين تتجه الأنظار عموماً نحو غزة، قُتل أكثر من 500 فلسطيني وفلسطينية في الضفة الغربية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر نتيجة غارات الجيش الإسرائيلي كما اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين الذين يحركهم خطابُ الحكومة الإسرائيلية المتطرفة التحريضي.

تحضُ “فيمينا” المجتمع الدولي، وخصوصاً البلدان التي تدعمُ مباشرة تلك الانتهاكات وتحرِّضُ عليها من خلال توفير المساعدات العسكرية والمالية، على وقف كل تلك المعونات لمرة واحدة وإلى الأبد. وتدعو إلى وقف للنار وتنفيذ الأحكام الموقتة لمحكمة العدل الدولية التي لا تدعو فقط إلى إنهاء الاعتداءات الحالية فحسب، بل إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني للأراضي الفلسطينية.


[i]  من أجل سلامتها وحمايتها، حجبت “فيمينا” هوية “ميم” واسمها.

[ii] تحدثت مدافعات عن حقوق الإنسان في منطقة “سوانا” (جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا) عن عنف جنسي خلال استجوابهن واحتجازهن. للمزيد عن تلك المسألة، انظر/ي تقرير “فيمينا”: تتحدث المدافعات عن حقوق الانسان في منطقة سوانا علناً عن العنف الجنسي من قبل أمن الدولة: لا صمت بعد الآن!