فيمينا: حق، سلام، شمولية

فيمينا: حق، سلام، شمولية
تدعم فیمینا المدافعات عن حقوق الإنسان ومنظماتهن والحركات النسوية في منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا

معلومات الاتصال

النسويات الجريئات والمصممات يواصلن النضال في مواجهة التحديات والانتكاسات ضد حقوق المرأة

Marxh 8th

نحيي هذا العام اليوم العالمي للمرأة في ظل تحديات جسيمة، لكن بإرادة راسخة لمواصلة النضال من أجل المساواة والعدالة. يتزامن هذا اليوم مع الذكرى الثلاثين لإعلان بيجين، الذي مثّل محطة محورية في مسيرة النضال العالمي من أجل العدالة الجندرية. على مدار العقود الثلاثة الماضية، أسهم هذا الإعلان في صياغة السياسات وإصلاح القوانين وتعزيز جهود المناصرة، مما أدى إلى تقدم ملموس في تمثيل النساء سياسيًا، وتوسيع مشاركتهن الاقتصادية، وتعزيز الحماية القانونية لحقوقهن. كما ساهم في ترسيخ الوعي بالحقوق الإنجابية، وتوسيع فرص الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية، بما يشمل وسائل منع الحمل، ورعاية الأمومة، وضمان حق النساء في الحصول على رعاية صحية شاملة وآمنة.

لكن، رغم هذه المكاسب المهمة، شهدت العقود الماضية انتكاسات كبيرة تهدد بتقويض التقدم المحرز. فاليوم، تواجه حقوق النساء تحديات غير مسبوقة، إذ أدى صعود الحكومات اليمينية المتطرفة وتصاعد الأيديولوجيات الرجعية إلى موجة جديدة من الهجمات على الحركات النسوية، والمدافعات عن حقوق النساء، والمناصرين للمساواة الجندرية. وقد كانت الحركات النسوية والمنظمات النسائية في طليعة الجهات المتأثرة بهذا التحول العالمي، حيث أدى تقليص التمويل المخصص لمنظمات حقوق النساء والمبادرات النسوية، إلى جانب استهداف المؤسسات الداعمة لصحة المرأة ورفاهها، إلى عرقلة الجهود المبذولة لتحقيق المساواة، مما جعل النضال أكثر تعقيدًا في مواجهة هذه التحديات المتزايدة.

أدت السلطوية والنزاعات المسلحة وتصاعد الأيديولوجيات المحافظة في منطقة جنوب وغرب آسيا وشمال إفريقيا (سوانا) إلى تصعيد العداء تجاه الحركات النسوية والمدافعات عن حقوق النساء. وتواجه النساء المطالبات بالحريات الأساسية—سواء في إيران أو أفغانستان أو فلسطين أو لبنان أو السودان—حملات قمعية شرسة تشمل الاعتقال التعسفي والعنف الممنهج، وصولًا إلى القتل، في محاولات لإسكات أصواتهن وكبح نضالهن من أجل الحقوق والعدالة.

الهجوم العالمي على حقوق النساء

رغم الرؤية التقدمية التي رسّخها إعلان بيجين، فإنه اليوم يواجه هجمة منظمة من قبل الحكومات والقوى المحافظة الساعية إلى تقويض المساواة الجندرية. ومن بين أخطر التوجهات الحالية، التجفيف المنهجي لتمويل البرامج المخصصة لحقوق النساء، حيث تلجأ العديد من الحكومات إلى تقليص الميزانيات المخصصة لمنظمات حقوق النساء، والمبادرات المعنية بالصحة الإنجابية، وبرامج مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي. هذه السياسات لا تعرقل فقط جهود تمكين النساء، بل تساهم أيضًا في تراجع المكتسبات التي تحققت خلال العقود الماضية، مما يجعل النضال من أجل العدالة الجندرية أكثر صعوبة وإلحاحًا.

شهدت السياسات التي كانت متماشية مع التزامات إعلان بيجين في العديد من البلدان تراجعًا ملحوظًا أو تآكلت تحت وطأة نفوذ الحركات اليمينية والسلطوية، التي تروج لفكرة أن المساواة الجندرية تشكل تهديدًا للقيم التقليدية. وقد أدى تصاعد الخطاب المناهض للنسوية واعتماد سياسات رجعية إلى تفكيك واسع النطاق لأنظمة الدعم الأساسية للنساء، مما أسفر عن إغلاق ملاجئ العنف الأسري، وعيادات الصحة الإنجابية، ومراكز المساعدة القانونية. ونتيجة لذلك، حُرِمَت ملايين النساء من الوصول إلى خدمات حيوية تمثل شريان حياة لهن في مواجهة العنف والتمييز، مما يجعل النضال من أجل حقوقهن أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.

للأسف، كانت منطقة جنوب وغرب آسيا وشمال إفريقيا (سوانا) ساحة لبعض أكثر النزاعات وحشية. فقد أسفر العدوان العسكري الإسرائيلي المستمر منذ 17 شهرًا على غزة عن مقتل عشرات الآلاف من النساء والأطفال الفلسطينيين، وتشريد أعداد أكبر في كارثة إنسانية غير مسبوقة. وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة، تواجه المدافعات عن حقوق الإنسان والنساء اللواتي يعبّرن عن معارضتهن للعدوان الإسرائيلي حملات قمع ممنهجة، تشمل الاعتقال التعسفي وسوء المعاملة في مراكز الاحتجاز، في محاولة لإسكات أصواتهن وردع نضالهن من أجل الحرية والعدالة.

وفي السودان، أسفر النزاع المستمر عن مقتل الآلاف من النساء ودفع العديد منهن إلى النزوح القسري، حيث تعرضت النساء والفتيات لانتهاكات مروعة على يد المقاتلين، بما في ذلك الاغتصاب والاعتداء الجنسي. هذه الانتهاكات الفظيعة تُعتبر جزءًا من الهجمات المستهدفة ضد المدنيين في سياق الصراع الدائر. كما يسهم الدعم العسكري المباشر من دول مثل الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة وتركيا والإمارات العربية المتحدة في إطالة أمد هذه النزاعات، مما يزيد من معاناة المدنيين ويعرقل فرص تحقيق السلام والأمن في المنطقة.

في سوريا واليمن والسودان ولبنان، تتحمل النساء العواقب المدمرة للحروب والنزوح والعنف الجنسي، حيث أدت النزاعات المسلحة إلى تفاقم القمع الجندري وزيادة معدلات زواج الأطفال. كما ارتفعت حالات العنف الجنسي بشكل مروع، في حين أسهم انهيار أنظمة الرعاية الصحية في زيادة الوفيات المرتبطة بالحمل. هذه الظروف القاسية تزيد من معاناة النساء والفتيات، وتفاقم الأزمات الإنسانية وتعرقل جهودهن في السعي لتحقيق العدالة والمساواة في ظل صراع دائم

أما في أفغانستان، فقد فقدت النساء كل شيء. فمنذ عودة طالبان إلى السلطة في ٢٠٢١، حُرمن من حقوقهن الأساسية مثل التعليم والعمل والمشاركة في الحياة العامة، في محاولة منهجية لمحو حقوقهن بالكامل وإعادة فرض القيود على وجودهن في المجتمع. وفي إيران، تستمر الحكومة في قمع الناشطات النسويات ومعاقبة المشاركات في احتجاجات “المرأة، الحياة، الحرية”، التي اندلعت بعد وفاة مهسا (جينا) أميني أثناء احتجازها. هذا القمع يهدف إلى إسكات أصوات النساء اللواتي يناضلن من أجل الحرية والمساواة، ويعكس التحديات المستمرة التي تواجهها النساء في هذه البلدان.

في الوقت ذاته، تراجعت الالتزامات الدولية بالمساواة الجندرية، مع تحول التمويل نحو أجندات قومية وعسكرية ومناهضة للحقوق، مما يعكس تحولًا خطيرًا في أولويات المجتمع الدولي. هذه الانتكاسات تكشف عن هشاشة التقدم المحرز في مجال حقوق النساء، وتؤكد أن غياب الإرادة السياسية والتمويل المستدام سيؤدي إلى المزيد من التآكل للإنجازات التي تحققت على مدار عقود، مما يعرض حقوق النساء للخطر ويؤخر تحقيق العدالة والمساواة.

انهيار النظام الدولي لحقوق الإنسان

ساهم ضعف النظام الدولي لحقوق الإنسان في تقويض التزامات إعلان بيجين، مما جعل حقوق النساء أكثر عرضة للانتكاسات السياسية. فقد تحدّت الأنظمة السلطوية والحكومات اليمينية علانية شرعية الأطر العالمية لحقوق الإنسان، مما أدى إلى تآكل عقود من التقدم في مجال المساواة الجندرية. وأصبحت منظمات حقوق النساء وحقوق الإنسان تكافح من أجل فرض التزامات المساواة في ظل تصاعد النزعات القومية والصراعات الجيوسياسية، بالإضافة إلى التجفيف المتعمد لتمويل المبادرات الحقوقية، مما يزيد من صعوبة تحقيق العدالة والمساواة في هذا السياق المعقد.

تراجعت العديد من الحكومات، التي كانت في السابق داعمة لحقوق النساء، عن الاتفاقيات الدولية أو قامت بعرقلة السياسات التقدمية، لا سيما في مجالات الحقوق الإنجابية، ومكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي، وحماية حقوق مجتمع الميم. في الوقت نفسه، تواجه الناشطات النسويات والحركات المدافعة عن العدالة الجندرية تجريمًا واضطهادًا متزايدًا، حيث تُستهدف المدافعات عن حقوق النساء بالاعتقال، الاستهداف، ومحاولات إسكاتهن تحت ذرائع مثل الأمن القومي أو حملات التشهير.

يشير هذا التراجع عن الالتزامات الدولية إلى تحول خطير، حيث لم تعد حقوق الإنسان تُعتبر مبادئ عالمية، بل أصبحت تُستخدم كأدوات للمساومة السياسية، مما يجعل تنفيذ التزامات المساواة الجندرية أكثر تعقيدًا، ويزيد من صعوبة تحقيق العدالة للنساء والفئات المهمشة.

دعوة إلى المقاومة والعمل

في هذا اليوم الثامن من مارس، نحتفل بتحدٍّ وتصميم، إذ نكرّم الانتصارات التي تحققت عبر عقود من النضال النسوي، ونُدرك في الوقت نفسه الحاجة الملحة إلى تجديد العمل والمساءلة. فهذه ليست مجرد معركة من أجل حقوق النساء فحسب، بل هي معركة من أجل الكرامة الإنسانية، والعدالة، والحرية. إن التحديات التي نواجهها تتطلب منا العمل المستمر، وتصميمًا أكبر في مواجهة الهجمات على حقوقنا، ومقاومة كل محاولات التقويض التي تهدف إلى إسكات أصواتنا. نحن نواصل النضال لإعادة تأكيد حقوق النساء والمساواة الجندرية كحق أساسي لكل إنسان.

إلى جميع النسويات حول العالم، في مواجهة القمع والتراجع المنهجي، نقول: مقاومتنا مستمرة. قد تتغير أشكال النظام الأبوي، لكننا نتطور أيضًا. إن القوى التي تحاول إسكاتنا تقلل من شأن قوة حركة متجذرة في التضامن، والحق، والالتزام الثابت بالمساواة. نحن نسير، ننظم، ونقاوم—ليس فقط من أجل أنفسنا، ولكن من أجل الأجيال القادمة.

نضالنا ليس مجرد مسألة سياسية، بل هو نضال من أجل القيم الإنسانية الأساسية التي لا يمكن إخمادها أبدًا. نحن نثبت أن العدالة والمساواة لن تكونا حلمًا بعيدًا، بل واقعًا نحقق من أجله.

مطالبة بالتحرك والمساءلة

ندعو المجتمع الدولي وصناع القرار والحكومات إلى اتخاذ خطوات جادة وحاسمة، بدلاً من التراجع. يجب استعادة وتوسيع التمويل المخصص لبرامج المساواة الجندرية، ودعم منظمات حقوق النساء بدلاً من تجريمها. إن الالتزامات الحقوقية، بما في ذلك تلك الواردة في إعلان بيجين، يجب أن تُنفذ بإرادة سياسية حقيقية والتزام غير قابل للتراجع. حان الوقت لحماية الحقوق التي ناضلنا من أجلها، وللمضي قدمًا بقوة أكبر في مواجهة التحديات، لنحقق العدالة والمساواة لكل النساء والفتيات في جميع أنحاء العالم.