يمثِّل اليوم مرورَ سنةٍ على إطلاقِ إسرائيل حملةً عسكرية انتقامية على الفلسطينيين/ات، رداً على هجوم “حماس” غير المسبوق على جنوب إسرائيل الذي قتل نحو ١٢٠٠ شخص، بينهم مدنيون/ات، وأخذ ٢٥٠ شخصاً رهائن. وكان الحصار الإسرائيلي اللاحق لقطاع غزة والعدوان العسكري مِن الحملات العسكرية الأكثر تدميراً في التاريخ. قتلت الهجماتُ العشوائية، غير المتناسبة وغير القانونية أكثر من ٤٢ ألف شخص وجرحت ٩٦ آلفاً، الغالبية العظمة منهم من النساء والأطفال. والواقع أنَّ الجيش الإسرائيلي قتلَ في سنة واحدة من النساء والأطفال أكثر مما قُتِل في أي نزاع آخر في العقدَين الأخيرين. وفي مرور سنة على المذْبَحة العسكرية في غزة، وسَّعت إسرائيل اعتداءاتها نحو الضفة الغربية والآن هي في تصعيد كبير على لبنان منذ الشهر الماضي. إلى ذلك، فإنَّ هجوماً متوقعاً على إيران من إسرائيل قد يستهدف مصافي النفط والمنشآت النووية، يهدد بشدة أمن ملايين الأشخاص في إيران والمنطقة وسلامتهم. كل ما تقدَّم يؤكدُ الحاجةَ الملحة لحظر لتصدير السلاح إلى إسرائيل، كما إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار.
أدَّت الحملةُ العسكرية الإسرائيلية إلى مستوى مرعب من الموت والتدمير. فبالإضافة إلى الحصيلة المُعلنة للضحايا، هناك أكثر من عشرة آلاف شخص مِن المفقودين/ات أو يُعتقد أنهم/ن قضوا/قضَيْنَ تحت الأنقاض. نحو ١.٩ ملايين شخص، أي ما يوازي ٩٠ في المئة من سكان غزة، صاروا من النازحين/ات، مرات متعددة في معظم الأحيان، نتيجة القصف المستمر حتى لأماكن يُفترضُ أنْ تكون “آمنة”، بما في ذلك المدارس، دور العبادة والمستشفيات. نحو نصف مليون شخص عُرْضَة لمستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي. ودمَّرت إسرائيل بُنى تحتية مدنية وحيوية، مع كوْن ٦٠ في المئة من المنازل و٦٨ في المئة من الطرق في حال تضرر أو تدمير. كما أنَّ أكثر من نصف المستشفيات خرجَت من الخدمة، تزامناً مع استهداف إسرائيل المتعمد للعديد من العاملين/ات في الحقل الصحي وسواهم/ن من العاملين/ات الإنسانيين/ات. أضِف أنَّ ٨٥ في المئة من المدارس قُصِفت وكل الجامعات الـ١٢ في غزة تعرَّضت لتدمير جزئي أو كلي، الأمر الذي يرقى إلى إبادة جماعية تعليمية أو التدمير الممنهج للقطاع التربوي. وبنتيجة ذلك، هناك ٦٢٥ ألفاً من الأولاد والبنات خارج المدرسة لعام كامل حتى الآن، مع آثار شديدة الضرر على أجيالٍ مقبلة. ووفق “لجنة حماية الصحفيين”، قُتِل ١٢٠ صحفياً/صحفية على الأقل منذ بداية الحرب، في أكثر حصيلة دموية مُسجلة لنزاع بالنسبة إلى الصحفيين/ات.
وفي حين تأثرت كل فئات السكان في غزة بالفظائع الواسعة النطاق، فإنَّ النساء والفتيات متضررات على وجه خاص نتيجة الانعدام المُمنهج للمساواة الجَندرية. أكثر من مليون امرأة وفتاة فلسطينية يعانيْن من انعدامٍ كارثي للأمن الغذائي وقلة الوصول إلى الطعام، المياه النظيفة وأدوات النظافة، مما تركَ آثاراً كارثية على النساء المُرضِعات وأولئك الحوامل. والنساء والفتيات أقل حظاً في الوصول إلى المستلزمات، بما فيها ما يتعلق بالنظافة الشخصية والدورة الشهرية، وكذلك الخدمات الصحية والاجتماعية، وسواها من الموارد؛ مع التأثير السلبي الأكبر على الأُسَر التي صارت معتمدةً كلياً على النساء لتأمين الطعام والحاجيات الأساسية. ووفق تقارير إعلامية، تعرَّضت النساء لمضايقاتٍ وسوى ذلك من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي كنتيجة للنزوح المستمر. والنساء يحملنَ كذلك مسؤولية رعاية الأقارب المُسنين/ات وأفراد الأُسرة مع إعاقات وعجز عن التحرك. وازدادَت التوترات العائلية والمجتمعية بينما تستمر الحرب، وهذا بدوره يزيدُ احتمالات العنف القائم على النوع الاجتماعي.
وأبعد من غزة، صعَّدَت إسرائيل منذ أيلول عملياتِها العسكرية ضد “حزب الله”. وأفادت وزارة الصحة العامة اللبنانية أنَّ أكثر من ألفي شخص قتلوا حتى الآن في الاعتداءات الإسرائيلية منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بينهم ١٢٧ طفلاً وطفلة و٢٦١ امرأة. وفي حين تزعمُ إسرائيل أنها تستهدفُ مواقع “حزب الله” العسكرية وبُنيته التحتية، فإنَّ العديد من المدنيين/ات قُتلوا/ن أو أُصيبوا/ن. في ٢٣ سبتمبر/أيلول، شكَّلَ قتلُ ٥٦٩ شخصاً، بينهم ٥٠ طفلاً وطفلة و٩٤ امرأة، اليوم الأكثر دموية في لبنان منذ نهاية الحرب الأهلية. استَدعت الاعتداءات الاسرائيلية المكثفة على قيادة “حزب الله” وبنيته التحتية العسكرية وشبكة اتصالاته رداً من إيران، والآن يُتوقَعُ هجومٌ ورد من إسرائيل. وكل ذلك يهددُ بصراع شامل في كامل المنطقة مع تأثيرات مدمرة – بما فيها آثار بيئية في حال استُهدفت مصافي النفط والمنشآت النووية الإيرانية – تطالُ شعوب كل هذه الجغرافيا حيث المجتمعات الهشة والأكثر تعرضاً للإقصاء، وبينها النساء، ستكون الأكثر تضرراً.
تحضُ “فيمينا” المجتمع الدولي على ممارسة الضغط على إسرائيل للقبول بوقف فوري لإطلاق النار. كما نطالبُ بحظر للسلاح إلى إسرائيل مِن الحكوماتِ الغربية، خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا، وهما أكبر مزودَيْن لإسرائيل بالسلاح. ويدعمُ الحاجةَ العاجلةَ إلى حظرٍ لتصدير السلاح ما صدر عن محكمة العدل الدولية في كانون الثاني ٢٠٢٤ في ما يتعلق بالخطرِ المحتمل لإبادة جماعية في غزة والأضرار المستمرة على المدنيين/ات. علاوة على ذلك، نطالبُ المجتمع الدولي بمحاسبة جميع الأطراف على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية الواسعة المُرتكبة على مدى عام.
وإذ نتذكرُ هذا اليوم والعنفَ الذي لا يوصف والدمار الذي تلاه، نحضُّ المجتمع الدولي على فهم أحداث ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ في سياقِ الاستعمارِ الاستيطاني الإسرائيلي والاحتلالِ الممتد لعقودٍ للأراضي الفلسطينية والظلم المترسخ الذي حَرَم الفلسطينيين/ات من حقوقهم/ن الإنسانية الأساسية وكرامتهم/ن. لا يمكن تحقيق حل مُستدام وعادل للبنان وفلسطين عبر الحملات العسكرية، العنف وترويع المدنيين/ات. إنه يتطلبُ الإنهاءَ الفوري للاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة، الضفة الغربية والقدس الشرقية الذي اعتبرته محكمة العدل الدولية غير شرعي، الأمر الذي أكد عليه كذلك قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة أخيراً حيث صوَّت الأعضاء على نحو شبه شامل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. كما نطالبُ الحكومة الإسرائيلية بالانسحاب الفوري من جنوب لبنان والامتناع عن احتلال الجنوب لإقامة منطقة عازلة. فقط عبر حلٍ سياسي وضمان العدالة والمحاسبة، يمكنُ لسكان هذه المنطقة رؤية السلام والأمن اللذَيْن يستحقونها.