
المصدر: هافينغتون بوست
أثار القرار الذي أصدره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والقاضي بفرض حظر شامل على دخول اللاجئين والمسافرين من دول ذات أغلبية مسلمة، حالة من الصدمة واليأس لدى الكثيرين. ولم تكن الناشطة البريطانية سيريان جينكنز، البالغة من العمر 29 عامًا والمقيمة في لندن، استثناءً من ذلك.
تقول جينكنز لـ “هافينغتون بوست” في المملكة المتحدة:
“قضيت ساعات طويلة أبكي في غرفتي وحدي. شعرت بالعجز، والضياع، والإرهاق الشديد.”
لقد انخرطت جينكنز في النشاط الحقوقي لأكثر من عقد، حيث عملت في مجالات السياسة، والعدالة الاجتماعية، والتقاطعية، والصحة النفسية. وبما أنها تعاني من الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، فهي تدرك أكثر من غيرها أن النضال الحقوقي قد يترك أثرًا بالغًا على السلامة النفسية والعاطفية.
وتوضح قائلة:
“من السهل الانغماس في النضال من أجل المساواة والعدالة للآخرين، وننسى العناية بأنفسنا، مما يجعل صحتنا النفسية عرضة للتدهور. استغرق الأمر مني سنوات من التجارب القاسية حتى بدأت أفكر في العافية، ومع ذلك فإنني كثيرًا ما أتعثر في هذا المسار.”
وأضافت: “الكثيرات منا يحاولن في الوقت نفسه مواجهة تحديات الحياة اليومية – وخاصة النساء الملوّنات، العابرات، ذوات الإعاقة، المسلمات، وغيرهن من النساء المنتميات إلى الأقليات المستهدفة. وأحيانًا تشعرين أن العالم بأسره ضدك، وأنك لا تملكين الطاقة الكافية لمواجهة ذلك.”
وبعد سماعها خبر “حظر المسلمين”، شعرت جينكنز بالرغبة في التحرك، ولكن من منظور أكثر شمولًا.
تقول: “ما أردته حقًا في تلك اللحظة هو أن أكون بين أشخاص يوجهون طاقتهم نحو التغيير الاجتماعي والنضال، وأن أتمكن من التحدث بصراحة عن صعوبات هذه الحياة، وأن أسترخي بين من يفهمونني حق الفهم.”
ومن هنا وُلدت مبادرة “أعيدي شحن طاقتك وقاومي” (Recharge and Resist)، وهي شبكة للناشطات اللاتي يضعن الرعاية الذاتية في صميم نضالهن، ويسعين للنمو جنبًا إلى جنب مع الشغف المتزايد حول الحراك الاجتماعي.
ورغم أن الاحتجاجات ليست جديدة على العالم، فإن حجم التعبئة، وسرعتها، وتكرارها في السنوات الأخيرة كان غير مسبوق. فقد اجتمع مئات الآلاف من المتظاهرات والمتظاهرين حول العالم للاحتجاج على “حظر المسلمين”، كما جذبت “المسيرة النسائية” أعدادًا مشابهة.
لكن هذا الزخم الجديد للنشاط الاجتماعي والنضال من أجل العدالة قد يأتي على حساب الصحة النفسية للناشطات. فبينما تقع علينا جميعًا مسؤولية الدفاع عن حقوق الإنسان، من الضروري بالقدر نفسه أن نحافظ على صحتنا النفسية وأن نوليها الاهتمام اللازم.
يقول مارك ويليامسون، مدير مؤسسة “أكشن فور هابينس“:
“إن الأشخاص الذين يكرسون حياتهم للقضايا الاجتماعية يجدون صعوبة بالغة في الانفصال عن العمل، نظرًا لالتزامهم العميق. لكن الرعاية الذاتية أساسية للناشطات، فهي تساعدهن على أن يكنّ أكثر فعالية في نضالهن.”
ويضيف: “عندما تعاملين نفسك بتعاطف، وتسيطرين على مستويات التوتر، وتحصلين على قسط كافٍ من النوم، فإنك ستكونين في وضع أفضل لإحداث فارق حقيقي. إن تخصيص وقت للعناية بنفسك يعزز مستويات الطاقة والتركيز واتخاذ القرار والتعاطف والعلاقات – فضلًا عن تحسين صحتك الجسدية والنفسية.”
ويحذر روبرت هاتشينسون، وهو مدرّب ومستشار في مجال الرفاهية ومدير “اوثينتيك لايف كومباني“، من المخاطر التي قد تتعرض لها الصحة النفسية للناشطات.
ويقول: “رغم أن النشاط النسوي والاجتماعي قد يكون مجزيًا للغاية، إلا أن الناشطات قد يواجهن تهديدات جسدية أو تهديدات لهويتهن ومعتقداتهن، مما قد يقودهن إلى الشعور باليأس أو الاحتراق النفسي.”
ويضيف: “استجابة الجسد للتهديدات على المدى الطويل تؤدي إلى القلق، والتوتر، وانخفاض القدرات الإدراكية. قد تشعر الناشطات أيضًا بالغضب – ورغم أن اندفاع الغضب القصير قد يكون محفزًا، إلا أن الغضب كمحرك أساسي للنضال لا يمكن أن يستمر على المدى الطويل.”
دخل جوني بنيامين، وهو ناشط بارز في مجال الصحة النفسية يبلغ من العمر ٣٠ عامًا، مجال النضال بعدما أنقذه شخص غريب من محاولة انتحار. وهو يؤكد أن عمل الناشط لا يتوقف أبدًا، إذ إنه واعٍ تمامًا لحجم “الظلم” الذي يحيط بقضايا الصحة النفسية.
يقول بنيامين: “أرغب في مساعدة الجميع. كل قصة أسمعها عن امرأة أو شخص يعاني تكسر قلبي وتجعلني أرغب في حل مشكلته.”
ويضيف: “يقول لي الناس دائمًا: لا يمكنك مساعدة الجميع، ولا يمكنك تغيير العالم بأسره – لكنني أؤمن بأنني أستطيع.”
لكن هذا الالتزام يستهلكه أحيانًا بشكل مرهق وسريع. يقول: “أتنقل من التفكير بأنني قادر على إنقاذ العالم إلى الانهيار بسبب صحتي النفسية، حتى أنني قد أعجز عن مغادرة منزلي خلال ٢٤ ساعة.”
أما إيزابيل أدوماكوه يونغ، وهي ممثلة وكاتبة تبلغ من العمر ٢٤ عامًا، فتصف النشاط الحقوقي بأنه “مُنهك”، سواء تعلق الأمر بمتابعة القضايا العامة، أو مواجهة المتنمرين على الإنترنت، أو التعامل مع تجاربها اليومية مع أشكال الاضطهاد المتقاطعة.
وتقول: “غالبًا ما تكون القضايا التي تناضلين من أجلها محزنة؛ سواء كانت العنف المنزلي، أو تقليص إعانات النساء ذوات الإعاقة، أو العنصرية المؤسساتية، أو السياسات القاسية. إن بقاؤك مطلعة وفاعلة يعني أنك تعرضين نفسك باستمرار لحقائق محزنة ومرهقة، ومن المهم أن تعترفي بأن ذلك سيؤثر عليك.”
ويعود ويليامسون ليؤكد أن الحاجة إلى الرعاية الذاتية يمكن تفسيرها من خلال مبدأ قناع الأوكسجين:
“ارتدي قناعك أولًا، ثم ستكونين في وضع أفضل لمساعدة الآخرين بطريقة مستدامة.”
نصائح أساسية لممارسة الرعاية الذاتية:
ابدئي بالأساسيات…
يقول هاتشينسون: “ممارسة التمارين الرياضية، تناول الغذاء الصحي، والحصول على قسط وافر من النوم يعزز الصحة الجسدية. أما ممارسة اليقظة الذهنية بانتظام فتعزز الصحة النفسية. إن ممارسات اليقظة، والرحمة، والامتنان مفيدة للغاية في تقليل التوتر والقلق وزيادة الإيجابية والإبداع والتركيز.”
ويضيف بنيامين: “اليقظة الذهنية مهمة جدًا بالنسبة لي. في الوقت الحالي، أستيقظ عند الرابعة صباحًا كل يوم وعقلي مزدحم بالأفكار! اليقظة تساعدني على تهدئة هذا الضجيج. من خلال ممارسة اليوغا أو السباحة أو المشي أتمكن من الخروج قليلًا من رأسي وأجد بعض السلام النفسي.”
كوني لطيفة مع نفسك…
يقول ويليامسون: “لا تكوني قاسية على نفسك. فالأمر لا يتعلق بالدلال أو النرجسية، بل بمعاملة نفسك بنفس اللطف الذي تعاملين به من تحبين.”
اعرفي متى تنفصلين…
تقول جينكنز: “آخذ حمامًا طويلًا وساخنًا. قد يبدو الأمر بسيطًا، لكن مجرد وجودي في الحمام يعني أنني لا أستطيع استخدام الهاتف أو الحاسوب حيث أنجز كل أعمالي. إنه يجبرني على الابتعاد قليلًا والعيش في اللحظة.”
ابني شبكة دعم قوية…
تقول يونغ: “لا أستطيع أن أؤكد بما فيه الكفاية كم يصبح النشاط أكثر قوة وإيجابية عندما يُشارك مع الأخريات، سواء اللحظات الجيدة أو الصعبة. قد يكون ذلك عبر مجموعة على فيسبوك، أو دردشة نصية أو لقاء بسيط لتناول القهوة والحديث عن العالم. أنا هنا لمساعدة الناس، ورؤية الناس ومشاركتهم يساعدني كثيرًا.”
افعلي ما تستمتعين به…
يقول هاتشينسون: “بغض النظر عن مدى شغف الناشطات بقضيتهن، من المهم أن يأخذن استراحة من العمل ويركزن على أنشطة ممتعة وغير مرتبطة بالنشاط الحقوقي، كي يعيدن شحن طاقتهن الإيجابية.”
وتقول يونغ: “أحاول ألا أحكم على ما يسعدني. ألعب لعبة بوكيمون غو! لم أعد أشعر بالخجل من ذلك. إنها تسعدني وهذا أمر يستحق التقدير، طالما أنها لا تستنزف كل وقت فراغي.”