فيمينا: حق، سلام، شمولية

فيمينا: حق، سلام، شمولية
تدعم فیمینا المدافعات عن حقوق الإنسان ومنظماتهن والحركات النسوية في منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا

معلومات الاتصال

القمع العابر للحدود ضد الناشطات المنفيات

الصورة: Access Now

المصدر: MERIP

في ربيع عام ٢٠١١، ومع اندلاع الثورة ضد بشار الأسد في سوريا، بدأت سناء، ابنة لاجئين سوريين يقيمون في كندا، الانخراط في النشاط الرقمي. سرعان ما لاقى دعمها للثورة صدى متزايدًا بين السوريين وجمهور عالمي أوسع. لكن مع ارتفاع صوتها، وجدت نفسها في مواجهة حملة استهداف شرسة. فبعد نحو عام من انطلاق الثورة، امتلأ حسابها على فيسبوك – الذي كانت تستخدمه للتواصل مع ناشطين/ات يشاركونها الأفكار – بتهديدات عنيفة. كما انتشرت صور عارية مفبركة لها، وظهرت حسابات تنتحل هويتها على المنصة. في الوقت نفسه، أرسلت لها شركة غوغل تحذيرات متكررة من محاولات اختراق بريدها الإلكتروني من قبل جهات مدعومة من الدولة. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ إذ أُغلقت الحملات الإلكترونية التي كانت قد نظمتها ضد النظام السوري بعد أن استجاب فيسبوك لتقارير كاذبة أُبلغت ضد صفحاتها. كانت سناء مقتنعة بأنها مستهدفة من قبل ميليشيا إلكترونية موالية للنظام تُعرف باسم الجيش السوري الإلكتروني، والتي دأبت على ملاحقة الناشطين/ات المناهضين/ات للنظام في مختلف أنحاء العالم.

قالت سناء في مقابلة مع Citizen Lab، ضمن مشروعين بحثيين حول القمع الرقمي العابر للحدود في كندا (٢٠٢٠-٢٠٢١) ودراسة مستمرة حول القمع الرقمي القائم على النوع الاجتماعي ضد الناشطات والصحفيات في المنفى:

“توقفت عن نشر أي تفاصيل شخصية على وسائل التواصل الاجتماعي. لم أعد أشارك صور أطفالي أو أماكن وجودي، وحتى عائلتي طلبت مني ألا أنشر أي شيء يخصهم أو يخص أولادي. كان هناك دائمًا الكثير من الخوف والقلق.”

هرب والدا سناء من سوريا في التسعينيات، ونشأت هي في بيئة يسودها الحذر والخوف من التورط في أي شأن يتعلق بالوطن. فبرأيها، كان السوريون/ات في الشتات نادرًا ما يتحدثون/ن في السياسة، إذ كانوا/ن يخشون/ين على أقاربهم/ن الذين/اللواتي ما زالوا/ن داخل البلاد. لكن مع اندلاع انتفاضة عام ٢٠١١ ضد الأسد، بدأ هذا الحذر بالتلاشي، وانخرط كثير من السوريين/ات في الخارج في نشاط سياسي، وسط أجواء من الأمل بقدوم التغيير. غير أن هذا التفاؤل لم يدم طويلًا؛ إذ واجه النظام الاحتجاجات بقبضة من حديد، عبر حملات اعتقال واسعة، وتعذيب ممنهج، وتدمير مدن كاملة. كما أظهرت الميليشيات الإلكترونية مثل الجيش السوري الإلكتروني أن القمع لم يعد محصورًا داخل الحدود السورية، بل امتد ليلاحق المعارضين/ات في المنفى عبر الفضاء الرقمي.

تجسد تجربة سناء واقعًا يعيشه عدد لا يُحصى من الناشطين/ات والصحفيين/ات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ممن اضطروا/ن للعيش في المنفى، ليجدوا/ن أنفسهم/ن أهدافًا لقمع ترعاه الدول. فمع اندلاع الربيع العربي، لجأ/ت المدافعون/ات عن حقوق الإنسان في الشتات إلى التكنولوجيا لحشد الاهتمام الدولي، بينما ساعد/ت الصحفيون/ات العاملون/ات في مؤسسات إعلامية عالمية على كسر الرقابة الرسمية ومواجهة آلة الدعاية. وفي هذه الفضاءات الرقمية العابرة للحدود، تمكنت النساء – سواء كصحفيات أو كناشطات في المنفى – من إيجاد قنوات للتعبير، وبناء شبكات للتضامن، وتعزيز حضورهن في المجال العام.

لكن هذه التقنيات نفسها منحت الأنظمة القدرة على توسيع أدواتها القمعية إلى ما وراء حدودها الجغرافية، عبر المراقبة المكثفة، والهجمات الإلكترونية، وحملات التضليل المنظم. ورغم أن القمع الرقمي يستهدف مختلف الناشطين/ات، إلا أن النساء على وجه الخصوص يواجهن أنماطًا جندرية من هذا القمع العابر للحدود؛ حيث تُوجَّه ضدهن هجمات ذات طابع مسيّس تتسم بالتحرش الجنسي والتحيز ضد المرأة، في محاولة متعمدة لترهيبهن وإسكات أصواتهن.

ترهيب الناشطات عبر الإنترنت

تتذكر عبير، وهي مدافعة عن حقوق الإنسان من الخليج، أنها تلقت رسالة بريد إلكتروني من صحفي كانت قد تواصلت معه سابقًا. بدا البريد الإلكتروني في البداية حقيقيًا، لكن الصحفي طلب منها مراجعة حالة أحد معارفه الذي أُفرج عنه من السجن حديثًا. أثار ذلك شكوكها حول كيف عرف الصحفي عن القضية. وبعد إعادة التحقق من البريد الإلكتروني، أدركت أن العنوان يشبه نطاق المؤسسة الإعلامية الرسمية لكنه في الواقع كان حسابًا على جيميل. أرسلت البريد إلى خبير في الأمن الرقمي الذي أكد شكوكها: لو أنها فتحت المرفق، لتم تثبيت برنامج تجسس على جهازها يمنح المهاجمين وصولًا إلى اتصالاتها وبياناتها.

باتت التقنيات الرقمية تساعد الدول بشكل متزايد في استهداف المعارضين/ات بطرق سرية، مما يقلل من مخاطر الكشف أو الانتقام. وتعتقد عبير أن هذه الهجمات تهدف ليس فقط للوصول إلى المعلومات، بل أيضًا لتخويف النشطاء/الناشطات ومنعهم/ن من استخدام أجهزتهم/ن. تقول:

“أعيش كل دقيقة وساعة ويوم في قلق دائم من أن تكون أجهزتي مخترقة ببرامج تجسس، وأن يتم الاستماع إليّ أو تسجيل كلامي أو تتبعي. لا يهم أين أكون، أو ماذا أقول، أو مع من أتواجد.”

كما يستهدف مؤيدو النظام الناشطات من خلال تشويه سمعتهن واتهامهن في حياتهن الشخصية، خاصة فيما يتعلق بالمسائل الجنسية، لإثارة الغضب بين الجمهور ذي القيم المحافظة. فعلى سبيل المثال، عندما تشارك عبير في مؤتمرات بأوروبا أو أمريكا الشمالية، تُغرق الوسوم المرتبطة بالحدث على تويتر بتغريدات من حسابات موالية للحكومة. لا يقتصر الأمر على تصويرها كعميلة لوكالات استخباراتية مثل السي آي إيه أو الموساد أو إيران، بل تُنشر أيضًا شائعات عن سلوكها وسلوك والديها الجنسي. ومؤخرًا، قام مسؤول حكومي في بلدها بنشر مقطع فيديو على إنستغرام يزعم تورطها في علاقات جنسية، ثم نشر رقم هاتفها الخاص، مما دفع الناس للتواصل معها للحصول على مزيد من التفاصيل.

تقول عبير عن الحملات الإلكترونية التي تستهدف تشويه سمعة الناشطات:

“عندما يستهدفون امرأة، يكون الهجوم جنسيًا بحتًا. دائمًا ما يتعلق الأمر بالعلاقات الجنسية، أو الإجهاض، أو الحمل، أو وجود صديق. وبالأخص لأنني مسلمة، فإن هذه هي الطريقة التي يهاجمونني بها.”

كانت الصحفية الإيرانية شيرين، التي تعمل في أوروبا، أيضًا هدفًا لهجمات جنسية صريحة على الإنترنت. في خريف عام ٢٠٢٢، مع خروج الإيرانيات في أنحاء العالم إلى الشوارع خلال احتجاجات “المرأة، الحياة، الحرية”، وجدت شيرين نفسها على الطرف المتلقي لموجة من الإساءة الإلكترونية وخطاب الكراهية العنيف. بدأت الحملة بعدما تمكن شخص – تُرجح شيرين أنه عميل تابع للحكومة الإيرانية – من الوصول إلى مراسلات سرية بينها وبين جهات اتصال داخل إيران وتسريبها. وقد تم استغلال طريقة عرض هذه المعلومات المسربة النزاعات القائمة بالفعل داخل الشتات الإيراني في وقت كانت التوترات فيه عالية جدًا.

ونتيجة لذلك، أغرقت الحسابات الإلكترونية الخاصة بها وبريدها الإلكتروني بالرسائل التي تتهمها بالخيانة والعمل لصالح النظام. وبجانب تشويه سمعتها كصحفية تعمل في المنفى، تم استهداف شيرين بصفة خاصة كونها امرأة. رسائل لا حصر لها وصفتها بـ”العاهرة” وهددتها بالاغتصاب. وتوضح شيرين أن هذه الرسائل تضمنت “نوعًا من المفردات التي لا يمكن توجيهها للرجال”. ومع شعورها بأن مسيرتها الصحفية تنهار، تقول:

“راودتني أفكار انتحارية. لأسابيع لم أتمكن من النهوض من السرير.”

رغم صعوبة ربط الهجمات التي تعرّضت لها شيرين مباشرة بالجهات الحكومية، إلا أن حالات بارزة أخرى أظهرت تورط الأنظمة في عمليات مشابهة. ففي صيف عام ٢٠٢٠، نُشرت صور شخصية للصحفية في قناة الجزيرة غادة عويس – التي كانت تقدم تقارير نقدية منتظمة عن السعودية والإمارات – على وسائل التواصل الاجتماعي. أظهرت الصور غادة وهي ترتدي البكيني أثناء خروجها من حوض استحمام ساخن (جاكوزي). وقد وسّعت الحملة التشهيرية ضد عويس، بمشاركة شخصيات عامة بارزة ومؤثرين موالين للسعودية يمتلكون ملايين المتابعين، إشاعات مفادها أن مسيرتها المهنية كانت قائمة على تقديم خدمات جنسية.

في الوقت نفسه تقريبًا، كانت غادة عويس من بين أهداف حملة اختراق استهدفت أكثر من ٣٠ من موظفي قناة الجزيرة، باستخدام برنامج التجسس بيغاسوس المصدر من إسرائيل، والتي نُسبت إلى كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وكان كلا البلدين من عملاء شركة المراقبة الإسرائيلية NSO Group، التي صممت البرنامج لاستغلال ثغرات نادرة في التطبيقات الشهيرة، مما يمنح المهاجمين القدرة على الوصول إلى جميع محتويات ووظائف الهاتف، بما يحوّله فعليًا إلى “جاسوس في جيبك”.

وفي دعوى قضائية رفعتها في فلوريدا في ديسمبر ٢٠٢٠، اتهمت عويس حكام كلا البلدين باستخدام هذه التقنية للوصول إلى معلوماتها الخاصة ونشرها على الإنترنت ضمن حملة منظمة بهدف ترهيبها وتشويه سمعتها كصحفية.

بالإضافة إلى استخدام الهوية الجندرية لإسكات الصحفيات الناقدات مثل غادة عويس، يبدو أن حكام الإمارات والسعودية تآمروا أيضًا على استخدام قدراتهم المتقدمة في المراقبة ضد المدافعات عن حقوق المرأة في كلا المملكتين. وتقول لجين الهذلول، الناشطة البارزة في حقوق المرأة السعودية، إنه في عام ٢٠١٧، وأثناء إقامتها في الإمارات، استخدم عناصر من شركة الأمن السيبراني أبوظبي دارك ماتر تقنيات مراقبة متقدمة لاختراق هاتفها الآيفون. وكانت الشركة قد جندت متخصصين في الاستخبارات السيبرانية من أجهزة الأمن القومي الأمريكية ومن قوات الدفاع الإسرائيلية للعمل في وحدة مراقبة تُعرف باسم مشروع رافن، والتي نفذت عمليات ضد عدد من المعارضين/ات والصحفيين/ات ومسؤولي/ات حكومات أجنبية في دول مختلفة. كما تعاونت الشركة بشكل وثيق مع السلطات الإماراتية، وحصلت على عقود حكومية مربحة.

من المرجح أن اختراق هاتف لجين الهذلول مكّن السلطات الإماراتية من مراقبة تحركاتها وتفاعلاتها مع ناشطات ومدافعات عن حقوق الإنسان، بما في ذلك منظمات في الولايات المتحدة. وفي نهاية المطاف، وفي مارس ٢٠١٨، قامت شرطة أبوظبي باعتقال الهذلول وإعادتها قسرًا إلى المملكة العربية السعودية، حيث تعرضت للسجن والتعذيب والتحرش الجنسي.

في مايو ٢٠٢٣، رفعت لجين الهذلول دعوى قضائية ضد شركة دارك ماتر، تزعم فيها أنه خلال التحقيقات ذكر العملاء تفاصيل من اتصالاتها التي أصبحت متاحة لهم نتيجة اختراق جهازها. وجاء اعتقالها كجزء من حملة أوسع ضد ناشطات حقوق المرأة البارزات اللواتي كن يعارضن حظر قيادة المرأة وقيودًا أخرى في المملكة. وتتعاون السعودية والإمارات بانتظام في اضطهاد معارضي كل منهما استنادًا إلى اتفاقيات واسعة، مثل اتفاقية الأمن المشترك لمجلس التعاون الخليجي لعام ٢٠١٣، التي سمحت بتبادل المعلومات الشخصية عبر الحدود، مما رسّخ القمع العابر للحدود على نحو مؤسسي.

آثار إسكات الأصوات

تنشر الدول الاستبدادية من خلال التهديدات الرقمية حالة من عدم اليقين، وفقدان الثقة، والبارانويا بين المعارضين/ات في الخارج. فقد حدّت شيرين، الصحفية الإيرانية التي كانت هدفًا لحملة تشهير إلكترونية ضخمة خلال احتجاجات “المرأة، الحياة، الحرية”، من مكالماتها مع أقربائها في إيران إلى أحاديث قصيرة فقط، وقطعت علاقاتها مع جميع أصدقائها الإيرانيين ما عدا مجموعة صغيرة من أكثرهم/ن ثقة بها.

وبعد أن أصابها الإرهاق الذهني ونوبات القلق، اضطرت في النهاية إلى ترك عملها. وقد وصف الباحثون الذين يدرسون أمن ورفاه المدافعين/ات عن حقوق الإنسان في السياقات عالية الخطورة مثل حالة شيرين بـ”الاستنزاف العاطفي”. وتعمل هذه الآلية الفريدة للقمع على إخضاع النشطاء/الناشطات لتهديدات وهجمات مستمرة، مما يؤدي إلى إرهاقهم/ن وانسحابهم/ن تدريجيًا، خاصة عندما يتأثر أفراد العائلة أو الأصدقاء.

بدأت شيرين تشعر بعدم الأمان داخل منزلها خوفًا من أن تتحول الهجمات الرقمية إلى أذى جسدي. فقامت بتركيب إضاءة أفضل حول المنزل وكاميرا مراقبة. في ذلك الوقت—خلال احتجاجات “المرأة، الحياة، الحرية” في خريف ٢٠٢٢—حذرت الشرطة في المملكة المتحدة من تهديدات حقيقية لحياة الصحفيين/ات ضمن الشتات الإيراني.

وفي برلين، تعرّض/ت إيرانيون/ات يتظاهرون/ن دعمًا للاحتجاجات لهجوم من قبل أشخاص يُرجح أنهم/ن كانوا/ن بدعم من سفارة إيران. أما في صيف العام الذي سبق الاحتجاجات، فاعتقلت سلطات إنفاذ القانون في نيويورك رجلًا مسلحًا ببندقية هجومية بالقرب من منزل الناشطة البارزة في حقوق المرأة مسيح علي نجاد، التي كانت هدفًا لمحاولة اختطاف فاشلة قبل عام واحد فقط. وقد وُجهت تهم من مكتب المدعي العام الأمريكي بأن منفذ محاولة قتل علي نجاد كان ينتمي إلى منظمة إجرامية في أوروبا الشرقية لها صلات بالحكومة الإيرانية.

كناشطة دافعت عن حقوق الإنسان لأكثر من عقد، أصبحت عبير قلقة أيضًا بشأن سلامتها الجسدية. ففي إحدى المرات، أثناء حديثها في إحاطة عامة في واشنطن العاصمة، اقتحم رجل كان رئيس تحرير صحيفة حكومية في بلدها الحدث ووجه إليها شتائم. وفي مناسبة أخرى في جنيف، لاحقها صحفيون من وسائل إعلام حكومية محاولين استفزازها وتسجيل غضبها على الكاميرا.

وفي كل مرة تلتقي فيها عبير بشخص جديد من المنطقة، تتساءل عما إذا كان يعمل لصالح الحكومة. وعندما تقيم في فندق جديد، تفحص الغرفة بحثًا عن أجهزة تنصت. وبسبب وجود عدة قضايا قضائية معلقة ضدها وأمر اعتقال صادر من حكومتها، تخطط عبير مسار سفرها بعناية لتجنب الاعتقال أثناء التنقل أو الترحيل القسري. كما أن منظمات حقوق الإنسان الراغبة في العمل معها مضطرة لإجراء تقييمات شاملة للمخاطر، وليس كل منها يمتلك الموارد أو الاستعداد للقيام بذلك.

وبالمثل، تركت سناء نشاطها أيضًا مثل شيرين، شاعرةً بأن بيئة الخوف التي كانت سائدة قبل عام ٢٠١١، والتي أعاقت العمل السياسي بين السوريين في الشتات، قد عادت مرة أخرى.

الدول المضيفة والشركات التكنولوجية الكبرى

فييان ناشطة كردية مقيمة في ألمانيا. مثل غيرها من الناشطات اللواتي تحدثنا إليهن، تلقت تهديدات وعنفًا إلكترونيًا، بما في ذلك رسائل بريد إلكتروني تحتوي على صور وفيديوهات تظهر مقاتلات كرديات يتعرضن للتعذيب أو الاغتصاب أو التشويه بعد مقتلهن.

في عام ٢٠٢١، قدمت فييان شكوى قانونية ضد شخص متطفل ومستمر في تهديدها على وسائل التواصل الاجتماعي لعدة أشهر، وكان يتبنى أيديولوجية عنصرية طورانية ويدعم حكومة أذربيجان. تولت شرطة Staatsschutz الألمانية، وهي قسم مكلف بالتعامل مع الجرائم ذات الدوافع السياسية، متابعة القضية. وبعد فترة، تمكنت الشرطة من تحديد هوية الشخص، الذي كانت هناك شكاوى أخرى ضده، وقامت بتفتيش منزله في إحدى المدن قرب فرانكفورت. وقد أعطى هذا الإجراء شعورًا بالاطمئنان لفييان بأنها محمية من قبل الشرطة. ومع ذلك، لم تتلق منذ ذلك الحين أي تحديثات عن قضيتها، وتبقى تتساءل عما إذا كان الجاني، بعد تقاريرها، أصبح أكثر تحفيزًا للقيام بالهجوم.

وكان أكثر ما أزعجها هو تبادلها القصير مع أحد ضباط الشرطة، الذي أخبرها بصراحة أن التهديدات الموجهة ضد الناشطات الكرديات — اللواتي كثيرًا ما يجدن أنفسهن في مرمى النيران من حكومات مثل تركيا وإيران وأذربيجان — ومناصريهن، ليست أولوية بالنسبة لهم. وقد حصل/ت بعض الصحفيين/ات البارزين/ات من تركيا وإيران المقيمين في ألمانيا على حماية من الشرطة، لكن السلطات هناك وفي أماكن أخرى غالبًا ما تكون غير مدركة لمدى القمع العابر للحدود وتنوع أساليبه. ونتيجة لذلك، كانت معظم الناشطات اللواتي أجرينا معهن المقابلات متشككات عمومًا بشأن جدوى الإبلاغ عن التهديدات للشرطة.

تمامًا مثل الإبلاغ للسلطات الحكومية، فإن الإبلاغ عن الإساءة الإلكترونية وحملات التشهير إلى شركات وسائل التواصل الاجتماعي مثل اكس (المعروفة سابقًا بتويتر)، وميتا، وإنستغرام، يعد عملية مرهقة، وغالبًا ما يكون لها تأثير محدود. ولتوثيق الهجمات بشكل منهجي والإبلاغ عن الحسابات المتورطة، يجب على ضحايا الإساءة الإلكترونية تصفح أكوام من الرسائل العنيفة وتقديم وصفات مفصلة، بما في ذلك الروابط ولقطات الشاشة، مما يجبرهم على إعادة عيش الصدمة الناتجة عن استهدافهم الشخصي.

بالنسبة للناشطات اللواتي يكرسن كل طاقتهن ووقتهن للدفاع عن حقوق الإنسان ومواجهة نظام قمعي، قد تبدو هذه العملية مرهقة للغاية، كما تشير مها، المدافعة عن حقوق المرأة من السعودية. فإبلاغ تويتر عن هجوم ضدها يتطلب جهدًا إضافيًا لا تستطيع تحمّله. تقول:

“لن أقوم بتوثيق الهجوم ما لم يكن من حساب عام ذي هوية واضحة وعدد كافٍ من المتابعين، وقد رفعت الأمر لتويتر، لكنني لا أعرف ما الذي فعلوه. لا يمكن أبدًا التأكد من كيفية متابعة تلك الشكوى.”

حتى الآن، تُعتبر الطريقة الأكثر فعالية للحصول على دعم من منصات التواصل الاجتماعي هي وجود علاقات داخلية مع الشركات، وهو ما تمكن/ت بعض الناشطين/ات والمنظمات من بنائه على مر السنين، لكنه يظل بعيد المنال بالنسبة لمعظم أفراد المجتمع المستهدف.

وعلى منصة اكس—التي تظل منصة مركزية للناشطين/ات من المنطقة—أدت التغييرات العميقة منذ استحواذ إيلون ماسك في أكتوبر ٢٠٢٢ إلى تعطيل هذه الروابط الحيوية. وشملت عمليات التسريح الجماعي موظفين أساسيين في مكافحة المعلومات المضللة وخطاب الكراهية ومراقبته. وتتذكر شيرين محاولتها الإبلاغ عن الهجمات التي كانت تستهدفها مباشرة بعد استحواذ ماسك قائلة:

“أبلغت تويتر داخليًا، ولم يتم إزالة المحتوى. أبلغت مرة أخرى، لكنه ظل كما هو.”

وبعد إعادة هيكلة سياسات المنصة تحت قيادة ماسك، لاحظت مجموعات مثل مركز مكافحة الكراهية الرقمية زيادة حادة عامة في خطاب الكراهية العنصري والميزاجنسي ومعاداة المثليين. وفيما بعد، قامت الشركة الأم لتويتر، اكس كورب، بمقاضاة المركز بسبب هذا البحث.

المقاومة ضد القمع المنظم

لقد أثبتت سياسات وممارسات إدارة المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي مرارًا وتكرارًا أنها غير كافية للتعامل مع الإساءة الإلكترونية والعنف الرقمي ضد النساء. وتضيف التهديدات الرقمية الموجهة نحو مجتمعات الشتات طبقة إضافية من التعقيد. والتصدي لهذه التهديدات يتطلب أشخاصًا يمتلكون مهارات لغوية ومعرفة سياسية تمكنهم من اكتشاف الهجمات والإبلاغ عنها.

إن انتشار أدوات المراقبة المتقدمة التي تُعرف بـ”الهجمات الصفرية” (zero-click)، والتي تتيح اختراق الأجهزة دون الحاجة إلى أي إجراء من الشخص المستهدف، يمثّل تهديدًا متناميًا للحق في الخصوصية والأمان الرقمي. مجموعة NSO الإسرائيلية، التي باعت برنامج “بيغاسوس” إلى المملكة العربية السعودية وعدد من الحكومات الاستبدادية الأخرى، ليست سوى اسم معروف في سوق مظلم يضم شركات تجارية تبيع برامج تجسس مأجورة.

على المستوى العالمي، تزدهر شركات خاصة تقدم خدمات جمع المعلومات الاستخباراتية، والمراقبة، والاختراق حسب الطلب، بالإضافة إلى حملات علاقات عامة مظلمة تهدف إلى تشويه سمعة خصوم العملاء.

بمرور الوقت، تعلّم/ت النشطاء/الناشطات الذين/اللواتي يعيشون/ن في المنفى وفي مجتمعات الشتات اتخاذ احتياطات أمنية وبناء قدرات على الصمود داخل شبكاتهم/ن. فيقومون/ن بتغيير الهواتف وبطاقات SIM بشكل منتظم، ويقومون/ن بتحديث برامج الأجهزة فورًا لسد الثغرات الأمنية المكتشفة حديثًا، ويتجنبون النقر على الروابط أو المرفقات في رسائل البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية. كما يستخدمون إخفاء الهوية عند الضرورة على الإنترنت، ويحرصون/ن على الفصل بين حسابات البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بالعمل وتلك الشخصية. وقد قاموا/ن أيضًا بإنشاء شبكات تضامن تُعد مصدرًا مهمًا للقوة وتبادل المعلومات في مواجهة التهديدات الصادرة عن حكومات بلدانهم/ن الأصلية.

بالإضافة إلى خطوط الدعم السريع التي أنشأتها منظمات مثل Access Now وFrontline Defenders لتقديم المساعدة للنشطاء/الناشطات في حالات الهجوم الرقمي، أشارت النساء اللواتي قابلناهن إلى أن الأصدقاء والخبراء التقنيين ضمن دوائرهن المقربة يُعدّون نقطة الاتصال الأساسية في حالات الطوارئ الرقمية.

إن ترك النشطاء/الناشطات ليواجهوا/ن بيئة تكنولوجية سريعة التغير بمفردهم/ن يمنح الأنظمة الاستبدادية حرية كاملة للاستمرار في ممارسة القمع الرقمي العابر للحدود. فالدول في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية بدأت فقط مؤخرًا في الالتفات إلى هذه المشكلة، ولم تتخذ بعدُ ردًا حازمًا أو شاملًا. وقد اتخذت الحكومة الأمريكية خطوات أولية لمواجهة انتشار واستغلال برامج التجسس التجارية، من بينها فرض ما يُعرف بـ”حظر خاشقجي”، الذي يسمح بفرض قيود على منح التأشيرات للأفراد المتورطين في هذه الانتهاكات.

بالرغم من مرور ثلاث سنوات فقط على جريمة قتل جمال خاشقجي البشعة، قام الرئيس الأمريكي جو بايدن بمصافحة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان علنًا، وهو الشخص الذي يُرجّح أنه أمر بتنفيذ هذا الفعل الجريء من القمع العابر للحدود. أما الحكومات الأوروبية، فهي لا تزال مترددة في اتخاذ إجراءات حاسمة ضد برامج التجسس التجارية مثل “بيغاسوس”، إذ تواصل حماية مصالحها الأمنية الوطنية وقدرات المراقبة التي تمتلكها أجهزتها الاستخباراتية.

في ظل تسارع التطورات التكنولوجية، يواصل المنتهكون تحديث أدواتهم الرقمية، مما يزيد من تعقيد التهديدات التي تواجه الناشطات مثل شيرين، عبير، مها، وفيان حيث يجدن أنفسهن في حالة دائمة من التعرض للتجسس الرقمي، والانتهاكات، والمضايقات التي تمارسها أنظمة سلطوية. هذه الأنظمة لا تكتفي باستهداف نشاطهن، بل توظّف هويتهن الجندرية والسياسية كوسيلة لإسكاتهن، محوّلة النوع الاجتماعي من مساحة للحماية والتمكين إلى أداة للقمع والتهميش.