فيمينا: حق، سلام، شمولية

فيمينا: حق، سلام، شمولية
تدعم فیمینا المدافعات عن حقوق الإنسان ومنظماتهن والحركات النسوية في منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا

معلومات الاتصال

مقاومة الإنهاك: نحو ثقافة نسوية متجددة في النشاط

الكاتبة: لورنس كوكس

رسم: لورنس وِير

المصدر: Red Pepper

كيف نستمر في عالمٍ يقول لنا في كل لحظة أن نستسلم – لأحلامنا الشخصية، لإمكانية إحداث فرق، ولرؤيتنا لمجتمعٍ أفضل؟ قد نجد أنفسنا منهكات، نطفئ الأزمات باستمرار، محاطاتٍ بأشخاص يفخرون بأنانيتهم الضيقة، مجروحاتٍ من الصراعات داخل حركاتنا ومجتمعاتنا، في مواجهة قمعٍ عنيف، محبطات من السباق المستمر نحو اليمين بينما الكوكب يحترق. هل هناك معنى لفعل أي شيء؟

نفقد تدريجياً القدرة على الفعل بما يتجاوز المستويات السطحية. نُعرض عن القضايا الشائكة، ونستسلم لفكرة أننا عاجزات عن إحداث أي تغيير في حياتنا، فنجد الاستمرار في النشاط أمراً شبه مستحيل. نصبح عالقات في عملٍ بلا شغف، نستهلك ما يتاح لنا، ونقوم فقط بما يضمن بقاءنا وبقاء أسرنا – ولا شيء أكثر. ومع مرور الوقت، نُحاصر في حياة خُطِّطت لنا من قِبل الآخرين، داخل مجتمع نشعر أننا غير قادرات على تغييره. وهذا بالضبط ما يُسمى بالإنهاك.

الإنهاك وفقدان القدرة على المبادرة والفعل

الإنهاك بأبسط تعريف هو استجابة أنظمتنا العاطفية لقضاء وقت طويل في وضعية “الكرّ أو الفرّ”. التوتر بحد ذاته ليس ضاراً دائماً: النساء اللواتي لا يمتلكن ما يكفي منه غالباً يبحثن عنه في الرياضات الخطرة أو أماكن أخرى. لكن مثل أي كائن حي، نستطيع التعامل مع التوتر لأنه لا يستمر طوال الوقت. القطط مثلاً تصطاد، لكنها تقضي معظم حياتها في الراحة أو النوم لتكون جاهزة للانقضاض عند الحاجة. عندما يستمر التوتر أكثر من اللازم، ينهار هذا النظام الجسدي ونحترق.

أسباب التوتر عديدة: هشاشة العيش، عدم معرفة ما إذا كان سيكون لدينا ما يكفي من المال في نهاية الشهر أو إذا كنا سنفقد منازلنا؛ دعم أخريات في معاركهن ضد النظام؛ الإيقاع المستمر للقمع على حركاتنا ومجتمعاتنا؛ الاستجابة المستمرة للأخبار السيئة عن المناخ، أو الترانسفوبيا، أو العنصرية. عندما لا نستطيع القتال – أي اتخاذ فعلٍ فعّال، خاصةً بشكل جماعي – ولا نستطيع الهروب، لكننا مضطرات للبقاء متجمدات في مكاننا، فإننا نقترب سريعاً من الإنهاك.

الإنهاك ليس هو نفسه الصدمة النفسية (الناتجة عن التعرض الشخصي أو غير المباشر للعنف أو الاعتداء أو الصدمات المختلفة)، وليس هو الاكتئاب، وإن كان يمكن أن يتداخل معهما. قد نحتاج إلى جلسات دعم، أو مساندة من صديقات أو رفيقات، أو وقت بمفردنا لنعرف ما إذا كنا نعاني تحديداً من الإنهاك.

أسباب الإنهاك

الرأسمالية النيوليبرالية، البطريركية المعاصرة، والنظام العالمي القائم على العنصرية – كلها تعرّضنا للإنهاك بطرق مختلفة. قد نكون محاطات بخوفٍ منخفض المستوى لكنه دائم، أو بعدائية مستمرة. بقاءنا أو بقاء أسرنا قد يعتمد على توازن مستحيل بين مهام لا تنتهي. لا يمكننا الوثوق بلطف الغرباء أو بدولة قائمة على الرفاه، أو بوجود مكان عمل كريم، أو عائلة ومجتمع آمن، بل أحياناً حتى بحركاتنا نفسها. التهديدات تأتينا من اتجاهات متعددة، وغالباً لا نستطيع مواجهتها بفعالية، ولا بشكل جماعي.

تخبرنا النيوليبرالية أيضاً أن هذه مشكلتنا الشخصية وحدنا. علينا أن نصبح واثقات، “مبتكرات”، أنيقات، جاذبات، رياديات، ثريات – وإذا لم نكن كذلك (بينما تبدو كثيرات على الشاشات كذلك)، فهذا فشلنا نحن. لا يهم إن كان أطفالنا يعانون بالطريقة نفسها. هكذا هو العالم – وإذا لم نعرفه بشكلٍ آخر، فمن أين سنجلب الثقة لمقاومته؟

إذا كنا نعيش في بلد قوي لا يهتم كثيراً ببقية العالم، حيث العمل الجماعي واسع النطاق نادر، يصبح من السهل تخيّل أن الوضع الحالي طبيعي وغير قابل للتغيير. وهنا يضاعف شعور الشلل وعدم القدرة على فعل أي شيء.

التمكين من خلال النشاط

كيف نواجه الإنهاك – كأفراد وكجماعات؟ البداية هي ملاحظة حدوثه والبحث عن أي فرصة للراحة والخروج من وضعية الكرّ أو الفرّ. غالباً نحتاج إلى الحديث مع أخريات وطلب المساعدة. هذه المحادثات تساعد أيضاً على ضمان أننا لا ننسحب فحسب، بل نحاول إيجاد طريقٍ للعودة إلى موقع يمكننا العمل منه بفعالية.

لهذا يكون النشاط في كثير من الأحيان مُـمكِّناً: هو خطوة للخروج من حالة الشلل، باتجاه الاستجابة الصحية بالعمل لمواجهة التهديد. مجرد قول كلمة بدلاً من الصمت قد يكون تحولياً في الظروف المناسبة. كما تعرف المنظمات النسوية، الانتصار الصغير في قضية تمس حياتنا اليومية هو خطوة أولى قوية. النضالات العمالية والمجتمعية تبدأ غالباً من الأساسيات، من الأشياء الصغيرة التي تجعل حياتنا مرهقة أو لا تُطاق، ثم تتوسع من هناك. في هذه العملية، يمكن تحرير طاقات هائلة.

الإنهاك والنضالات الأوسع في مجال الصحة النفسية

الصحة النفسية قضية سياسية، كما شددت الناشطات منذ السبعينيات، مع حركات المريضات والناجيات في مجال الصحة النفسية، والحركات المناهضة للطب النفسي، و”فخر ذوات/ذوي التجارب النفسية المختلفة”. القضية تتجاوز الحاجة الحقيقية للنضال من أجل موارد وخدمات أكثر، لتصل إلى أسئلة حول سلطة المتخصصين في مواجهة المريضات، وحول الأبعاد الجندرية والعائلية للصحة النفسية. إن استخدام اللغة النفسية كسلاح ضد الشابات المتحولات جنسياً اليوم (مثل مصطلح “اضطراب الهوية الجندرية المفاجئ”، الذي لا يصفهن فقط بالجنون بل يشرعن أيضاً العلاج التحويلي)، بالإضافة إلى الإرث الطويل لاستخدام الاعتقال النفسي كوسيلة للسيطرة الاجتماعية، ليست إلا بعضاً من أبرز مظاهر ديناميات القوة في مجال الصحة النفسية.

الإنهاك يرتبط بمدى قدرتنا على أن نكون فاعلات في حياتنا، فردياً وجماعياً. فالبطريركية تعني أن النساء، والأشخاص خارج الثنائية الجندرية، وأفراد مجتمع الميم-عين+، يخضعن منذ الطفولة المبكرة لأشكال مختلفة من السيطرة داخل أسرهن وفي المجتمع الأوسع. وينطبق الأمر ذاته غالباً على النساء المتنوعات والنساء ذوات الإعاقة. أما الطبقة الاجتماعية، والعرق، والإثنية، فغالباً (وليس دائماً) تعمل من الخارج إلى الداخل، حيث يمكن أن يُعامل أبناء الطبقة العاملة أو الأقليات العرقية بطريقة مختلفة تماماً في المدارس، أو في مؤسسات الصحة النفسية، أو أمام المحاكم، وغير ذلك. هذه الأنماط مألوفة أيضاً في علم الاجتماع والصحة النفسية.

نضالات الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الصحة النفسية غالباً ما تكون متعددة ومتداخلة: النضال للحصول على الدعم، وأيضاً للحصول على الدعم المناسب لاحتياجاتهن الخاصة؛ الاعتماد على الأسرة ومقدمي الرعاية، وأيضاً مواجهة الصراعات الشخصية المرتبطة بالشعور بالتقليل من شأنهن أو التحدث نيابة عنهن؛ النضال للحصول على تشخيص يفتح لهن الموارد، وأيضاً التفكير النقدي في معنى هذه التشخيصات. إنشاء منظمات تقودها النساء والأشخاص ذوو الخبرات النفسية مباشرة، بدل الاعتماد على المحترفين أو الجمعيات التي تتحدث نيابة عنهم، والتنقل بين الصراعات السياسية المرتبطة بنتائج الأبحاث، مع إدراك أن الحياة اليومية غالباً ما تكون صراعاً عملياً – كل هذا يجعل امتلاك صوت جماعي حقيقي إنجازاً ضخماً، وغالباً ما يُقلل ناشطات في حركات أخرى من تقديره.

المساعدة المتبادلة والصمود المجتمعي

الإنهاك مشكلة جماعية بقدر ما هو فردية، ولذلك يتطلب مواجهته عملاً جماعياً مشتركاً. لكن الإنهاك نفسه يجعل الاستمرارية في العمل الجماعي أكثر صعوبة، بينما تقوّض النيوليبرالية أي إحساس بالعلاقات والتضامن بين الأشخاص. وهذا أحد الأسباب التي تجعل أشكال الدعم البسيطة نسبياً تبدو جذابة.

المساعدة المتبادلة بأنواعها المختلفة – ما يُعرف بـ”اقتصاد التضامن” – شهدت توسعاً واسعاً في الشمال العالمي خلال الجائحة، حيث قامت مطابخ التضامن مثل مطبخ Cooperation Birmingham بتوصيل الطعام للأشخاص المعزولين. ومع ذلك، لهذه الممارسات جذور أقدم بكثير في المجتمعات المهمشة، لا سيما تلك التي تتمتع بتقاليد جماعية قوية. فعلى سبيل المثال، شهدت اليونان بعد أزمة ٢٠٠٨ ازدهاراً في العيادات والصيدليات المجانية التي دعمت الأشخاص بلا تأمين أو وثائق. كما تُعد رعاية الأطفال، الحضانات، والتعليم البديل والراديكالي أمثلة مألوفة أخرى على هذا النوع من الدعم الجماعي الذي يخفف العبء الفردي ويعزز القدرة على الصمود المشترك.

عندما ندعم بعضنا البعض، نرى نتائج فورية من أفعالنا، وفي الوقت نفسه نمنح الأخريات مساحة أوسع لأخذ أنفاسهن. كلا الأمرين يساعد في مواجهة الإنهاك، وعلى المدى الطويل يساهم في بناء مجتمعات أكثر صموداً ومرونة – سواء كانت جغرافية، أو إثنية، أو للأشخاص المثليين/المتحولين/الكوير، أو للأشخاص المتنوعين عصبياً، وغيرها.

هناك فرق جوهري يجب الانتباه إليه بين نماذج العمل الخيري التي تعتمد على الأفراد الأثرياء أو الجهات المانحة الكبيرة أو صانعي القرار المحليين، وبين التنظيم الذاتي بأي شكل كان: هل نسعى لدعم قدرة الأشخاص الفردية والجماعية على الفعل واتخاذ القرار بأنفسهن؟

التنظيم الذاتي الحقيقي يعني أيضاً التعليم الشعبي والتحليل الجيد. هل تسعى عملية التنظيم إلى تحديد أسباب الهشاشة، والتهديد، واليأس، ومساعدة المشاركات على رؤية أفعالهن على أنها سياسية؟ هل نقوم بربط النقاط بين صراع جارتي للحصول على الرعاية التي تحتاجها، والنضال من أجل تشكيل المجتمع بشكل أوسع؟ هل نعمل مع مجموعات وناشطات أخريات، أم نحاول جاهدات أن نظهر بمظهر حيادي مقبول أمام الصحافة أو المجلس المحلي؟

ثقافات متجددة ونشاط مستدام

لا توجد طريقة واحدة صحيحة للتنظيم. بحسب هويتنا وظروفنا ومكاننا، قد تواجهنا عوائق مختلفة أمام تجاوز الإنهاك. هل نناضل من أجل البقاء المادي يومياً؟ هل نمتلك المهارات اللازمة للانخراط الفعّال في المنظمات؟ هل لدينا أسلوب في التعامل مع أنفسنا يسمح لنا بالاستمرار في النشاط والنضال؟

تاريخياً، يحدث النشاط النسوي عادةً في سياق محدد: في أماكن العمل من أجل التنظيم العمالي، في النشاط المجتمعي، كوظيفة ضمن منظمات الحركة، أو في أوقات الفراغ خارج العمل. ويُظهر التنظيم الناجح لعاملات الاقتصاد المرن في السنوات الأخيرة أن النشاط ممكن حتى في أصعب الظروف – لكنه يتطلب الوقت والتفكير والتخطيط.

سياقنا الثقافي – وكيف ينظر الآخرون لمحاولاتنا في اتخاذ الفعل – له تأثير كبير أيضاً. هل نحن جزء من حركة متجذرة بعمق في الثقافة التي نشأنا فيها؟ هل عائلاتنا وثقافتنا المحلية متسامحة إلى حد كبير مع النشاط النسوي؟ هل نرى الفاعلية والقدرة على المبادرة فقط في الأشخاص من نفس جيلنا أو الأصغر؟ أم أنها موجودة فقط في ثقافات فرعية مهمشة للغاية؟

منذ السبعينيات، على سبيل المثال، ركز التنظيم المجتمعي للطبقة العاملة في أيرلندا – الذي كانت النساء غالباً في طليعته – على خلق الظروف والعلاقات التي تسمح للناس بالازدهار وتطوير فاعلية جماعية قوية رغم القمع والفقر الممتد عبر أجيال متعددة. مع مرور الوقت، وبالبدء من الصفر، استطاعت المجتمعات بناء قدرة على دعم بعضها البعض كجزء أساسي من تنظيمها. هذه التجربة ليست فريدة من نوعها، لكنها تتطلب وقتاً وصبراً.

إذا بدأنا ونحن معزولات أو مثقلات بالمهام ونحن نحاول تنظيم كل شيء من الصفر، قد يكون من المفيد البحث عن مصادر إلهام وموارد. قد نجد طريقنا إلى برامج مثل تلك التي ينظمها مشروع “يولكس” في جبال البيرينيه وأماكن أخرى، وهي ورش سكنية حول النشاط المتجدد للأفراد والجماعات. هذه البرامج تدمج بين البعد الشخصي، والعلاقات بين الأشخاص، والجماعي، وقد وجدت شخصياً أنها مساحة تحوّلية (إفصاح كامل: أنا الآن أشارك في تدريبات مشروع يولكس).

فكرة “الثقافات المتجددة” في الحركات تشير إلى محاولة واعية لابتكار طرق تنظيم لا تكون مستدامة فحسب على المدى الطويل، بل تعمل أيضاً على تجديدنا وتنشيطنا في مواجهة عالم يفعل العكس تماماً. كيف يمكننا ربط نضالنا الشخصي ضد الإنهاك بأشكال جماعية قابلة للإدارة؟ كيف نبني حركات لا تُقاد فقط بالأدرينالين أو شعور الاستعجال واليأس، بل تمتلك القدرة على تحقيق الانتصارات على المدى الطويل أمام معارضة متجذرة بعمق؟ كيف يمكننا تقدير بعضنا البعض حقاً، وبناء تحالفات رغم اختلافاتنا، والاستمتاع بالفاعلية الجماعية؟ كيف نرى وندعم احتياجات بعضنا البعض خلال هذه العملية، ونكون مرتاحات للتعبير عن احتياجاتنا نحن أيضاً؟

مهما كانت الطريقة التي نتبعها – سواء من خلال المساعدة المتبادلة، أو التعليم السياسي، أو الصداقة والرفقة، أو تخصيص وقت للمحادثات العميقة، أو اللقاءات الاجتماعية والمهرجانات، أو دمج الأطفال والأسر، أو الموسيقى والفن الراديكالي – كل ذلك يحتاج إلى وقت. أي حركة ناجحة تعرف كيف تدعم أنواعاً مختلفة من الأشخاص للانخراط في الفعل في ظروف صعبة وعلى مدى فترات طويلة. هذا الوقت ليس ضائعاً عن الأمور المهمة: هذا هو خطاب النيوليبرالية الذي يحاول إقناعنا بعكس ذلك.

على النقيض، تعامَل المنظمات غير الناجحة الأشخاص كأدوات يمكن التخلص منها، وتُشعرهم بالخجل لعجزهم عن الاستمرار في رفع مستوى المشاركة، وتتركهم في أوقات الصعوبة. دعم الأشخاص ليحظوا بحياة غنية ومرضية، إلى جانب العمل على تغيير العالم، يتطلب مواجهة الإنهاك – ومساندتهم للعودة إلى ساحة النضال والنشاط.