فيمينا: حق، سلام، شمولية

فيمينا: حق، سلام، شمولية
تدعم فیمینا المدافعات عن حقوق الإنسان ومنظماتهن والحركات النسوية في منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا

معلومات الاتصال

المضايقات عبر الإنترنت: تهديد للنسوية العالمية

المؤلف: مرکز یارا

خلال العقد الأخير، أوجَد توسع الشبكات الاجتماعية ودمَقْرَطة الفضاء الافتراضي فرصةً للمشاركة الاجتماعية للنساء والأقليات الجنسية وتلك المتعقلة بالنوع الاجتماعي، ولرفع الصوت الذي كان تاريخياً صامتاً ومهمشاٌ نظراً إلى عقبات متعددة. وشهدنا على سبيل المثال نشاطاً واسعاً مختلف الأشكال على “تويتر” لنساء، من قبيل أن يتحدثن عن تجاربهم مع العنف والمقاومة، ويصنعن التضامن النسوي، ويُطلِقن الحملات الالكترونية، وما إلى ذلك. وكان صعود الحراك النسوي عبر الانترنت عاملاً مُحفِّزاً لجذب الانتباه عالمياً إلى قضايا تتعلق بالنساء وتجاربهن اليومية مع العنف والمضايقات، سواء الكترونياً أو واقعياً. فمنصات التواصل الاجتماعي صارت أيضاً أمكنة للنضال السياسي والاحتجاج للكثير من النساء اللواتي لم يكنَّ ليستطعن الحديث من دونها في الشؤون العامة والسياسية. وفي الوقت نفسه، فإن النساء اللواتي يشاركن في هذه المنتديات الالكترونية يواجهن أشكالاً من العنف – وهي مكتوبة في المقام الأول – بما فيها حملات كراهية النساء عبر الانترنت. وتلك الأفعال تؤثر بشدة على حقوق النساء في المشاركة المتساوية في الفضاء العام.

العنف الافتراضي: تهديد جدي للنسوية الرقمية

إن الفضاءات الالكترونية في البلدان حيث حقوق النساء والناشطين/ات والمدافعين/ات عن حقوق الإنسان في الفضاءات الحقيقية تُواجَهُ بالقمع الشديد والاعتقالات والمحاكمات الظالمة والأحكام القضائية، وحيث الفضاءات المدنية تستمر في الانكماش المستمر؛ هي ذات أهمية حيوية لاستمرار النشاط النسوي والدفاع عن حقوق الإنسان. ولكن، وبينما مكَّنت الشبكات الاجتماعية النسويات مِن التنظيم، فإنها أوجدت في الوقت نفسه أرضية خصبة للعنف وكراهية النساء. واليوم صار العنف الافتراضي بحق النساء والأقليات القائمة على العنف الاجتماعي مصدرَ قلق عالمي وتهديداً للنسوية العالمية، والنسوية الرقمية على وجه الخصوص. إذ تتعرض النساء لهجمات ذات طابع جنسي وقائم على النوع الاجتماعي.

يبدو أن مجال الانترنت لا يحتمل الأصوات العالية للاحتجاج النسوي، والعنف الرقمي يُستخدم أداة لإسكات النساء ومطالبهن.  وشهدنا في السنوات الأخيرة عنفاً متزايداً في الفضاء الفارسي لـ”تويتر”. ومع أن الرجال هم أيضاً هدف لتلك الهجمات، فإن الملاحظات التجريبية والأبحاث أظهرت معاً أن الانتهاك الالكتروني الذي يطال النساء له طابع جنسي وقائم على النوع الاجتماعي، وأنه يتضمن تهديدات مباشرة وغير مباشرة بالعنف الجنسي، واستهداف جانب أو أكثر من هوية المرأة، إلى التضييق الممنهج، وانتهاك الخصوصية مثل تسريب صور ذات طابع جنسي أو حميم لامرأة من دون موافقتها كإجراء عقابي. وتلك الاعتداءات الالكترونية عمَّقت تهميش النساء الإيرانيات والناشطات النسويات والمدافعات عن حقوق الإنسان.

وسلَّط بجث أجرته عام 2014 سيميندوخت كارغار بعنوان “المضايقات الجنسية والقائمة على النوع الاجتماعي عبر الانترنت”، الضوء على حجم إدراك مُستخْدِمات الانترنت الإيرانيات للمضايقات الجنسية وتلك المتحيزة جنسياً في الفضاء الرقمي، وعرَّفت طبيعة التجارب التي اختبرْنَها. وأظهرت النتائج أن 38 في المئة من المُسْتَطْلعات عشْنَ مضايقة جنسية ومتحيزة جنسياً عبر الانترنت، و83،3 في المئة تعرضن لمُطاردة ومُلاحقة من شخص في الفضاء الالكتروني، و82،2 في المئة تلقين رسائل فيها مضايقات جنسية أو متحيزة جنسياً عبر تطبيق “ماسينجر”.

وفي بحث نوعي آخر عنوانه “التشويه الالكتروني المقرَّب من السلطة في إيران وكون استخدام الانستاغرام سيفاً ذا حدين”، بحثت كارغار في حجم العنف عبر الانترنت ومن يقفون وراءه، وكذلك المضايقات والانتهاكات بحق معارضين/ات في الاغتراب الإيراني، بما في ذلك صحافيون/ات، وناشطو/ات مجتمع مدني، وفنانون/ات وسواهم/ن. وتوصلت إلى أن “المضايقات الالكترونية يزاد تطبيقها كشكل من السيطرة على المعلومات لتطويق الخطاب الحر وإحكام القبضة على الفضاءات العامة عبر الانترنت. وبدا أن الدول في السنوات الأخيرة استثمرت بشكل خاص في تحويل المعلوماتية إلى سلاح في وجه المنشقين/ات في محاولة للسيطرة على الخطابّين الاجتماعي والسياسي. وتُظهر تقارير مؤسسات حقوق الإنسان البارزة، والأدلة القوْلية المتداولة بين الناس، أن إيران تبقى بين الدول ذات السجل العالي في هذه الممارسات”.

فشل “تويتر” في حماية المدافعات عن حقوق الإنسان من الانتهاكات

صارت كراهية النساء عبر الانترنت عائقاً مهماً أمام المشاركة المتساوية في المساحات العامة والسياسية.  إن العنف الافتراضي ينتهك الحق في حربة التعبير للناشطات النسويات والمدافعات عن حقوق الإنسان ويرغمهن على العزلة والرقابة الذاتية. وجاء في تقرير نشرته منظمة العفو الدولية أنه “بين كانون الأول/ديسمبر 2016 وآذار/مارس 2018 أجرت منظمة العفو الدولية بحثاً نوعياً وكمياً حول تجربة النساء على منصات التواصل الاجتماعي، بما في ذلك حجم وطبيعة وتأثير العنف والإساءات الموجهة إلى النساء على تويتر، مع تركيز على المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية. وخلال هذا التحقيق، قامت منظمة العفو الدولية بمقابلات مع 86 امرأة من الصحافيات والسياسيات والمدوِّنات والكوميديات والناشطات، إلخ”.

وشدد البحث على أن الإساءات والانتهاكات على “تويتر” هي ذات طبيعة تقاطُعية عميقة وتُسلّط الضوء على تجارب خاصة من العنف والانتهاك على “تويتر” بحق النساء الملونات، والنساء من أقليات إثنية أو دينية، والمِثْليات، وثنائيات الجنس أو المتحولات جنسياً، بالإضافة إلى الأشخاص الذين/اللواتي لا يتماهون/يتماهين في هوياتهم/ن الجنسية مع أحد الجنسين، والنساء مع إعاقات؛ هؤلاء جميعاً هم/ن الأكثر تأثراً. ورسمت النتائج صورة مقلقة عن “تويتر” الذي يستطيع أن يكون مكاناً ساماً لمستخدِماته النساء.

ويشير التقرير إلى أنه بموجب المبادئ التوجيهية في الأعمال وحقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة، على “تويتر”، كشركة، مسؤولية محددة في احترام كل حقوق الإنسان، بما فيها الحقوق في عدم التعرض للتمييز وحرية التعبير والرأي، واتخاذ خطوات ملموسة لتفادي التسبب أو المساهمة في انتهاك تلك الحقوق. وجاء فيه إن “فشل تويتر في الالتزام بتلك المسؤولية في ما يتعلق بالعنف والانتهاكات يعني أن العديد من النساء غير قادرات بعد الآن على التعبير عن أنفسهن بحرية على المنصة من دون الخوف من العنف والإساءة. وتحدثت الكثير من النساء اللواتي أُجريت مقابلات معهن عن انتشار العنف والانتهاكات على تويتر، وشددن على أن البقاء في هذا الفضاء والعمل فيه شديد الأهمية بالنسبة إليهن، في ما يتعلق بحياتهن الخاصة والعملية على السواء. وتعتمد النساء على الشبكات الاجتماعية مثل تويتر للمناصرة والتفاعل وتحريك الرأي العام والوصول إلى المعلومات ولِيكنَّ في دائرة الضوء. وكذلك تظهر نتائج هذا البحث الإهمال الكبير لشركة تويتر في تأدية واجباتها في إيجاد فضاء بعيد من التمييز والمضايقات والعنف”.

منظمة العفو الدولية أن “تويتر” لم يتخذ ما يكفي من الإجراءات لحماية الناشطات النسويات ودعمهن، وتفید.

ولا يزال لا يقيم بما يتوجب عليه لحماية النساء من المضايقات والعنف. وهذا أدى إلى مضاعفات مهمة، بينها الرقابة الذاتية وإسكان الناشطات. وعام 2018 عددت منظمة العفو الدولية واقترحت إجراءات ملموسة لـ”تويتر” لتحسين سياساته في ما يتعلق بالنساء ونضالهن. ولكن، وكما تفيد منظمة العفو الدولية، من غير الواضح لماذا رفضت الشركة تطبيق تلك الإجراءات.

ومن الضروري اليوم بالنسبة إلى المدافعين/ات عن حقوق الإنسان الإصرار على الحق في الحماية من الإساءة والحق في حربة التعبير في الفضاء الافتراضي وجعلِ شركات مثل “تويتر” خاضعة للمحاسَبة. وبالتالي فإن الحديث عن الانتهاكات الرقمية المتحيزة جنسياً والإقرار بآثارها القاسية على الصحة العقلية والدور الذي تضطلع به في إسكات أصوات النساء الناشطات، يشكل خطوة أولية. وتتطلب مواجهة الواقع الحالي حلولاً جماعية وإجراءات حاسمة. وهناك بعض الاستراتيجيات الموصَى بها للتعامل مع التنمر الرقمي أو الحد من أذاه على المستوى الفردي على الأقل. ومن المهم كذلك مناقشة تلك الاستراتيجيات ونشرها كمحاولة لجعل الفضاءات الافتراضية أكثر أماناً للنساء والأقليات الجنسية وتلك القائمة على النوع الاجتماعي.

:Resources

  1. Twitter still failing women over online violence and abuse, Amnesty International, September 2020 

2.  Online Misogyny: A Challenge for Digital Feminism? Journal of International Affairs, 2019

3. Toxic Twitter – A toxic Place for Women, Amnesty International