فيمينا: حق، سلام، شمولية

فيمينا: حق، سلام، شمولية
تدعم فیمینا المدافعات عن حقوق الإنسان ومنظماتهن والحركات النسوية في منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا

معلومات الاتصال

زواج القاصرات والأمومة المبكرة في إيران – أزمة حقوقية تستدعي تحركًا دوليًا عاجلًا

يُعد زواج القاصرات – أي زواج الأفراد دون سن الثامنة عشرة – ونتيجته المباشرة المتمثلة في الأمومة المبكرة (الحمل والأمومة قبل سن ١٨)، من أخطر قضايا انتهاك حقوق الإنسان في إيران. فعلى الرغم من بعض مظاهر التقدم الاجتماعي، لا تزال نسبة كبيرة من الفتيات الإيرانيات يُجبرن على الزواج قبل بلوغ سن الرشد. ووفقًا للإحصاءات الرسمية، فإن واحدة من كل خمس زيجات مسجلة تشمل أفرادًا دون سن الثامنة عشرة، فيما تشمل ٥% فتيات دون الخامسة عشرة. وتُظهر هذه الأرقام المقلقة حجم الانتهاك الواسع لحقوق الأطفال – وخصوصًا حقوق الفتيات – إذ تُقرّ المعايير الدولية بأن من هم دون ١٨ عامًا يُعتبرون أطفالًا. وبالتالي، فإن الزواج في هذا السن يُعدّ شكلاً من أشكال الزواج القسري وانتهاكًا لمبدأ الرضا الكامل والحر. إن زواج القاصرات يسلب الفتيات حقهن في الطفولة والتعليم والنمو السليم، ويعرّضهن لمخاطر العنف والاستغلال. ويتطلب التصدي لهذه الظاهرة المترسخة عملاً عاجلاً ومنسقًا على المستويين الوطني والدولي.

١. أبعاد ظاهرة الزواج المبكر في إيران

  • السن القانوني والفجوات القائمة: ينصّ القانون المدني الإيراني الحالي على أن الحد الأدنى القانوني للزواج هو ١٣ سنة للفتيات و١٥ سنة للفتيان. ومع ذلك، يُسمح بالزواج في سن أصغر بموافقة الولي الشرعي وبقرار من المحكمة المختصة، ما يعني فعليًا عدم وجود حد أدنى مطلق للزواج في إيران، الأمر الذي يُبقي زواج الأطفال الصغار جدًا قانونيًا.
  • انتشار الزواج المبكر: تُظهر بيانات منظمة السجل المدني والمركز الإحصائي الإيراني أنه في عام ٢٠٢٢ وحده، تم تسجيل ٢٧ ألف حالة زواج لفتيات دون سن ١٥. وتشكل هذه الحالات نحو ٥% من إجمالي الزيجات المسجلة سنويًا، بينما ترتفع النسبة بشكل أكبر عند احتساب الفتيات دون ١٨ عامًا. وتشير التقديرات إلى تسجيل نحو ١٣٥ ألف زواج سنويًا لفتيات دون ١٨ سنة، أي ما يقارب خمس إجمالي الزيجات في البلاد. وتُظهر هذه الأرقام مدى انتشار زواج القاصرات في المجتمع الإيراني. أما بالنسبة للذكور، فلا تتجاوز نسبة زواجهم قبل ١٨ عامًا ٢% فقط، ما يدلّ على أن الغالبية الساحقة من القاصرين المتزوجين هنّ فتيات.
  • الأمومة المبكرة والحمل في سن المراهقة: يؤدي زواج القاصرات غالبًا إلى الأمومة المبكرة. إذ يولد سنويًا نحو ١٤٥٠ طفلًا لأمهات دون سن الخامسة عشرة، وتشكل الأمهات المراهقات دون سن العشرين نحو ٦% من إجمالي الولادات في إيران، وغالبية هؤلاء الأمهات تتراوح أعمارهن بين ١٥ و١٧ عامًا، مما يعرّضهن لمخاطر صحية خطيرة بسبب عدم اكتمال النمو الجسدي والنفسي.
  • التوزيع الجغرافي والمناطق الأكثر عرضة: تنتشر ظاهرة زواج القاصرات في مختلف أنحاء البلاد، لكنها تتركز بشكل أكبر في المناطق المهمشة والفقيرة اقتصاديًا. وتسجل محافظات خراسان الرضوية، أذربيجان الشرقية، وسيستان وبلوشستان أعلى المعدلات.
  • الزيجات غير المسجلة: تجري نسبة كبيرة من زيجات القاصرات بشكل غير رسمي ودون تسجيل رسمي، مما يجعل من الصعب معرفة الحجم الحقيقي للظاهرة. وهذا يعني أن الأرقام الرسمية أقل بكثير من الواقع الفعلي.

٢. قصور الإحصاءات الرسمية والواقع المخفي للزواج المبكر

تعكس الإحصاءات الرسمية جزءًا محدودًا من الواقع، إذ يُعتقد أن عدد حالات زواج القاصرات أعلى بكثير. ويرجع ذلك أساسًا إلى انتشار الزيجات غير المسجلة، مثل:

  • الزيجات المؤقتة غير المسجلة: حيث تُزوّج فتيات صغيرات مؤقتًا لرجال مختلفين دون تسجيل رسمي.
  • الزيجات التقليدية والقبلية: تُعقد وفق الأعراف المحلية، خصوصًا في المجتمعات القبلية أو البدوية، وقد يتأخر تسجيلها لسنوات.
  • تأجيل تسجيل الزواج: تقوم بعض الأسر بتأجيل تسجيل زواج الفتيات دون ١٣ عامًا لتجنب الملاحقة القانونية، وتُسجل رسميًا بعد بلوغ السن القانونية.
  • الزواج من أجانب أو بيع الفتيات: في بعض المحافظات الحدودية، تُباع الفتيات أو يُزوّجن من رجال أجانب تحت مسمى الزواج، وهي ممارسات تُعدّ شكلًا من أشكال الاتجار بالبشر.

يؤدي هذا التباين بين الواقع والإحصاءات الرسمية إلى إضعاف فعالية السياسات العامة وجهود التدخل، ما يستدعي تعزيز الشفافية وتحسين آليات جمع البيانات وتطبيق القوانين.

٣. تعليق نشر إحصاءات زواج القاصرات

منذ عام ٢٠٢٣، توقفت منظمة السجل المدني عن نشر الإحصاءات المتعلقة بزواج وحمل الفتيات القاصرات على موقعها الإلكتروني. وعندما سُئل المسؤولون عن السبب، أجابوا: “تلقينا أوامر بعدم نشر أي إحصاءات إضافية بشأن زواج القاصرات.” ويبدو أن هذا التعتيم جاء بعدما أظهرت البيانات عودة معدلات زواج القاصرات والأمهات القاصرات إلى الارتفاع منذ عام ٢٠١٩. ففي عام ٢٠٢١، لفتت وسائل الإعلام الانتباه إلى زيادة حالات الحمل بين الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين ١٠ و١٤ عامًا، ما دفع السلطات إلى وقف نشر التفاصيل الإحصائية.

٤. العوامل المؤدية للزواج المبكر وتبعاتها في إيران

٤.١ الأسباب:
تُعد الصعوبات الاقتصادية، والعادات التقليدية، ونقص الوعي من أبرز دوافع الزواج المبكر في إيران. ففي الأسر الفقيرة، يُنظر إلى تزويج الفتاة الصغيرة كوسيلة لتقليل النفقات أو لتحقيق مكاسب مالية. كما تساهم المعتقدات الثقافية حول “حماية الشرف” أو الخوف من تأخر الزواج في تعزيز هذه الممارسات. وتُضاف إلى ذلك الثغرات القانونية وضعف تطبيق القوانين، مما يسمح باستمرار هذه الزيجات رسميًا أو غير رسميًا.

٤.٢ النتائج:

يؤدي زواج القاصرات إلى أضرار متعددة، منها التسرب المدرسي، وتفشي الأمية بين النساء، ومخاطر الحمل والولادة المبكرة، والاضطرابات النفسية كالقلق والاكتئاب، والعنف المنزلي الناتج عن ضعف قدرة الفتاة على الدفاع عن نفسها، والطلاق المبكر، وتعدد الزوجات القسري، واستمرار الفقر بين الأجيال. باختصار، يحرم زواج القاصرات الفتيات من حقوقهن في التعليم والصحة والطفولة، ويقوّض التنمية البشرية.

٥. موقف إيران مقارنة بالمعايير الدولية المتعلقة بالزواج المبكر

وفقًا للمعايير الدولية وتعريف منظمة اليونيسف، يُعدّ أي زواج قبل سن ١٨ زواجًا مبكرا. ورغم أن إيران صادقت على اتفاقية حقوق الطفل (CRC) التي تحدد ١٨ عامًا كسنّ للبلوغ القانوني، إلا أنها لم تُعدّل قوانينها المحلية بما يتماشى مع هذا المعيار، واحتفظت بتحفظها القائل “بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية”. كما أن إيران لم تصادق على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، التي تُلزم الدول الأعضاء بتحديد سن الزواج ب١٨ عامًا وحظر زواج الأطفال.

تحتل إيران، من حيث الانتشار، مرتبة متوسطة ضمن دول المنطقة (باستثناء الحالات غير المسجلة)، إذ تبلغ النسبة فيها أقل من أفغانستان وباكستان، لكنها أعلى من تركيا وماليزيا.

أما من الناحية القانونية، فتُعدّ إيران من الدول التي تحدد أدنى سن للزواج بين الأدنى في العالم، حيث يُسمح بزواج الفتيات في سن ١٣ عامًا، بل وأصغر من ذلك في بعض الحالات بشروط معينة، في حين أن معظم دول العالم حددت سن الزواج الأدنى بـ١٨ عامًا. وعلى الرغم من أن العديد من الدول في المنطقة قامت برفع سن الزواج القانوني خلال العقدين الماضيين، فإن إيران ما زالت ترفض هذه الإصلاحات لأسباب دينية وثقافية، الأمر الذي يثير انتقادات متواصلة من المراقبين والمنظمات الدولية.

٦. الحاجة إلى ضغط دولي ووطني لمواجهة زواج القاصرات في إيران

يُعد زواج القاصرات والأمومة المبكرة انتهاكًا واضحًا لاتفاقية حقوق الطفل (CRC) ولمبدأ الرضا الحر والكامل في الزواج. وتؤدي هذه الممارسات إلى عواقب اجتماعية وشخصية خطيرة، تشمل التسرب المدرسي، واستمرار دوائر الفقر بين الأجيال، والحمل المبكر، والعنف الأسري.

٦.١ التوصيات للمجتمع الدولي والمنظمات الدولية

  • الدعم والضغط السياسي:  يجب إعطاء أولوية قصوى للقضاء على زواج القاصرات في الحوارات الحقوقية مع إيران، وإدانة هذه الممارسة علنًا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ومتابعة توصيات الاستعراض الدوري الشامل (UPR) لضمان تحديد سن الزواج الأدنى بـ١٨ عامًا دون استثناءات.
  • مشاركة الوكالات الأممية المتخصصة:  تشجيع مشاركة أكثر فاعلية من اليونيسف وصندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) ومنظمة الصحة العالمية (WHO) لتقديم الدعم التقني وتنفيذ برامج التعليم والصحة، وإشراك إيران في المبادرات العالمية لإنهاء زواج القاصرات.
  • آليات الرصد والمساءلة:  تفعيل دور المقررين الخاصين والفِرق الأممية المتخصصة لمراقبة الوضع والضغط على إيران لإصلاح القوانين التمييزية والوفاء بالتزاماتها الدولية.
  • دور الاتحاد الأوروبي وجهات التمويل: ينبغي ربط أي مفاوضات أو دعم مالي لإيران باحترام حقوق الإنسان. كما يجب تخصيص تمويل للأبحاث الميدانية، والتعليم، وتمكين الفتيات، ودعم منظمات المجتمع المدني التي تعمل لمكافحة الزواج المبكر.

٦.٢ التوصيات لحكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية

  • الإصلاح القانوني: رفع سن الزواج القانوني إلى ١٨ عامًا دون استثناء، وتجريم الزواج المؤقت للقاصرات، وإلزام تسجيل جميع الزيجات والمواليد رسميًا، والمصادقة على الاتفاقيات الدولية لحماية النساء والأطفال.
  • الوقاية والحماية: ضمان التعليم الإلزامي والمجاني حتى نهاية المرحلة الثانوية، وتقديم دعم مالي للأسر ذات الدخل المنخفض، والاستثمار في التعليم وفرص العمل بالمناطق عالية الخطورة، وتنفيذ استراتيجيات للحد من الفقر، وإطلاق حملات توعية وطنية، وتوفير خدمات صحة إنجابية ومراكز صديقة للمراهقين/ات.
  • القضاء وإنفاذ القانون: منع إصدار تراخيص الزواج لمن هم دون ١٨ عامًا، وملاحقة الزيجات غير القانونية، وتدريب القضاة ورجال الأمن، وإنشاء بيوت آمنة، وتقديم المساعدة القانونية المجانية والحماية للضحايا.

٦.٣ أدوار المجتمع المدني والنشطاء المحليين

  • الحملات العامة والمناصرة المدنية: يمكن لمنظمات المجتمع المدني إثارة النقاش العام حول الظاهرة من خلال الأبحاث الميدانية، وكشف الانتهاكات، وتقديم العرائض الجماعية.
  • المعلمون والمستشارون التربويون: عبر رصد الفتيات المعرّضات للخطر والتبليغ عن الحالات المحتملة، وتوعية الأهالي بعواقب الزواج المبكر.
  • القيادات المحلية والدينية: من خلال تشكيل لجان دعم محلية، والتفاعل مع الأسر، وتعزيز قيم بديلة تشجع التعليم وتمكين الفتيات.
  • الإعلاميون والصحفيون: عبر التحقيقات الميدانية، ونشر قصص الضحايا، وتوثيق الحالات بشكل مستمر لكسر الصمت حول زواج القاصرات ورفع الوعي العام.

وأخيرًا، فإن تعزيز ثقافة الحوار والتوعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والأفلام التعليمية، والحملات الإلكترونية يُعدّ خطوة أساسية ضمن عملية ثقافية طويلة المدى تهدف إلى تغيير المواقف المجتمعية تجاه زواج القاصرات، وبناء مستقبل أكثر عدلاً ومساواة للفتيات والنساء في إيران.