
نحن، المنظمات الموقعة أدناه، ندين بشدة التصعيد الأخير في العنف الذي تشهده مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية، حيث اندلعت اشتباكات عنيفة بين مقاتلين من الأقلية الدرزية وقبائل بدوية سنية محلية. لطالما تمتعّت محافظة السويداء بهامش من الاستقلال عن السيطرة الكاملة سواء في عهد النظام السابق أو في ظل الحكومة السورية المؤقتة الحالية، حيث حافظت الجهات المحلية الدرزية على قدر نسبي من الحكم الذاتي.
بدأت موجة العنف الأخيرة يوم الأحد، ١٣ تموز/يوليو، نتيجة سلسلة من حوادث الخطف، من بينها اختطاف تاجر درزي على الطريق الرئيسي الواصل بين دمشق والسويداء. وقد ردّت السلطات الحكومية بنشر قوات عسكرية لاستعادة النظام، لكنها تعرضت لانتقادات بسبب طريقة تعاملها مع الوضع، ووجهت لها اتهامات بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق بحق الأهالي من الطائفة الدرزية. كما تعرضت المجتمعات البدوية لأعمال عنف، بما في ذلك هجمات وعمليات تهجير قسري نفذتها فصائل درزية.
وفي تصعيد موازٍ، شنّت إسرائيل غارات جوية غير قانونية داخل الأراضي السورية، مستهدفةً قوات سورية في السويداء ودمشق، بما في ذلك هجمات على وزارة الدفاع السورية وقصر الرئاسة.
ووفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، قُتل ما يقارب ١٤٠٠ شخص في اشتباكات مسلحة والقصف والإعدامات خارج نطاق القانون والغارات الجوية الإسرائيلية. كما أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بنزوح أكثر من ١٧٦٠٠٠ شخص من محافظة السويداء. لا تزال الأزمة الإنسانية مستمرة في جنوب سوريا، وتتسم بنقص حاد في المواد الغذائية، وتعطّل واسع النطاق في خدمات المياه النظيفة، والكهرباء، والاتصالات، بسبب الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية. كما أن الوصول إلى الرعاية الصحية لا يزال بالغ الصعوبة، حيث تسببت الاشتباكات بأضرار مادية في المستشفيات وأثرت على حركة الكوادر الطبية وإيصال المستلزمات الضرورية. تعمل المستشفيات حالياً تحت ضغط كبير، في ظل ظروف قاسية تواجه العاملين فيها.
أكدت الرئاسة السورية رسميًا التزامها بوقف شامل وفوري لإطلاق النار في ١٩ يوليو/تموز، داعيةً جميع الأطراف إلى الالتزام، وقامت بنشر قوات تابعة لوزارة الداخلية في المنطقة. ومع ذلك، لا تزال الأوضاع هشة، حيث تستمر الاشتباكات المتقطعة والتوترات الطائفية في مختلف أنحاء المنطقة.
أنماط العنف الممنهجة
تندرج هذه الأحداث ضمن نمط متصاعد من العنف التمييزي الذي تصاعد بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول ٢٠٢٤، لا سيما المجازر التي استهدفت المجتمع العلوي في الساحل السوري في مارس/آذار، وسلسلة هجمات طالت الطائفة الدرزية في مايو/أيار.
وقد انتشرت مقاطع مصوّرة على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي توثّق مشاهد عنف، منها عمليات قتل جماعي في السويداء، نُشرت تحت ذريعة “تحرير” المدينة وإعادتها إلى سيطرة الحكومة السورية المؤقتة. وقد وثّقت منظمات حقوقية وصحفيات وصحفيون مستقلون عددًا من هذه المقاطع، وتم التحقق من صحة بعضها، والتي غالبًا ما تتضمّن شعارات طائفية عنيفة وتصويرًا مهينًا ولا إنسانيًا للضحايا. وظهرت مضامين مماثلة خلال المجازر التي استهدفت مدنيات ومدنيين من الطائفة العلوية في الساحل في وقت سابق من هذا العام. وتشكل هذه المواد المرئية واللغوية تحريضًا خطيرًا على المجتمعات المهمّشة، وتغذّي الكراهية الطائفية، وتعرّض الفئات المستضعفة لمخاطر إضافية من العنف والإقصاء.
إن تصاعد العنف الممنهج قد قوّض بشكل خطير قدرة الحكومة السورية المؤقتة على فرض الاستقرار واحتواء الانقسام الطائفي. كما فشلت هذه الحكومة حتى الآن في توحيد الفصائل المسلحة أو كبح جماح الجماعات المتطرفة الموالية لها، ما يبرز هشاشة المؤسسات السورية. وقد عبّرت فئات واسعة من المكونات الطائفية عن مخاوف متزايدة نتيجة نشاط الجماعات المسلحة المتطرفة، لا سيما في ظل فشل السلطات المركزية في حماية المواطنات والمواطنين. ويعد المجتمعان العلوي والدرزي من بين الأكثر عرضة للخطر في السياق السياسي الراهن، نظرًا لارتباطهما المزعوم بالنظام السابق أو لتعرضهما للإقصاء والتمييز من قبل المليشيات المتشددة.
وفي الأرياف التابعة لمحافظات اللاذقية وطرطوس وحمص وحماة، تصاعدت عمليات القتل والخطف التي استهدفت نساءً ورجالًا من الطائفة العلوية منذ سقوط النظام السابق. نفّذت جماعات مسلحة موالية للحكومة عمليات اقتحام للمنازل وأقامت حواجز تفتيش تستهدف الأفراد في الأماكن العامة والخاصة. وقد اتخذت عمليات الخطف بُعدًا جندريًا، حيث وردت تقارير عن اختطاف نساء وفتيات أثناء توجههن إلى أماكن العمل أو المدارس أو الجامعات أو أثناء أداء المهام اليومية، وتعرضت بعضهن للاتجار أو الزواج القسري في مناطق خاضعة لسيطرة الفصائل المسلحة، لا سيما في إدلب. وغالبًا ما تُجبر العائلات على التزام الصمت بشأن مصير بناتهن المختطفات تحت وطأة التهديدات والابتزاز عبر مكالمات أو رسائل مجهولة المصدر تطالب بدفع فدية. وبسبب الخوف من الانتقام، وكذلك العار والوصمة الاجتماعية المرتبطة بالأعراف التمييزية ضد النساء، اختارت عائلات عديدة عدم الإبلاغ أو الحديث. وقد أدى ذلك إلى حرمان عدد متزايد من النساء والفتيات من حقهن في التعليم والعمل والحركة، نتيجة القيود المفروضة بدافع “الحماية”، ما يعمّق الفجوة الجندرية والانتهاكات.
دعوة للمساءلة والحماية والعدالة الانتقالية
نطالب الحكومة السورية المؤقتة بالالتزام الفوري بأحكام القانون الإنساني الدولي، واتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية المدنيّات والمدنيين دون تمييز، وخاصة النساء والفتيات، وأفراد الأقليات الطائفية والإثنية، ووضع حد لكافة أشكال التحريض والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
كما نناشد المجتمع الدولي بممارسة الضغوط الفاعلة لضمان المساءلة والرقابة، والعمل العاجل من أجل فتح تحقيق مستقل ونزيه في جرائم القتل الجماعي والاختطاف التي ارتُكبت في ظل الحكومة المؤقتة، لا سيما ضد مجتمعات مدنية وفئات مستضعفة.
تثير الغارات الإسرائيلية الأخيرة مخاوف جدية تتعلق بانتهاك القانون الإنساني الدولي. فبينما تزعم إسرائيل أن هجماتها تأتي ضمن عمليات أمنية، فإن العديد من الخبراء القانونيين والمنظمات الحقوقية يشككون في شرعية استخدام القوة عبر الحدود دون تفويض من الأمم المتحدة أو وجود تهديد وشيك.
إننا نُدين جميع العمليات العسكرية غير القانونية، ونطالب باحترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها وفق ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي. كما نحثّ جميع الأطراف الفاعلة إقليميًا على الامتناع عن أي خطوات قد تؤدي إلى مزيد من التدهور الأمني أو الإنساني داخل سوريا.
نناشد الحكومة السورية والفصائل المسلحة المسيطرة على محافظة السويداء بالسماح بشكل عاجل بمرور آمن ودون عوائق للمساعدات الإنسانية، وضمان إعادة الخدمات الحيوية بشكل فوري. كما ندعو إلى إيصال الدعم الإنساني إلى المجتمعات الأكثر ضعفًا، والتي كانت هدفًا لانتهاكات حقوق الإنسان، وتوفير دعم شامل للناجيات والناجين، يأخذ بعين الاعتبار احتياجاتهم النفسية والاجتماعية والاقتصادية.
تؤكد المنظمات الموقّعة على أهمية إطلاق عملية شاملة للعدالة الانتقالية تُنصف ضحايا الانتهاكات وتُعالج الجرائم الجسيمة التي شهدتها سوريا في الماضي، وتضمن محاسبة جميع الجناة، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية. فلا يمكن تحقيق سلام مستدام وحكم ديمقراطي في سوريا دون آليات مساءلة وعدالة تركز على الناجيات والناجين وتحدث تحوّلًا حقيقيًا نحو الإنصاف والكرامة.
المنظمات الموقعة:
- Al-Alaq Center for Press Services
- Al-Bahairat Community Foundation
- Anty Charity
- Bent Al-Nile
- CEWLA – Center For Egyptian Women’s Legal Assistance
- Collaborative for Peace
- Hope for Women Syria
- Initiative for Human Security
- My right Foundation for the Political and Economic Empowerment of Women
- Nadeem Center for the Rehabilitation of Victims of Violence
- New Woman Foundation
- Noon Feminist Movement
- Peace Makers Syria
- Qarar Foundation for Media and Development
- Sudanese Women Health Organization
- Syrian Feminist Lobby
- Takatoat
- The Regional Coalition for Women Human Rights Defenders in South West Asia and North Africa (WHRDMENA)
- The Women’s Committee for Reconciliation and Peace
- Tulip Organization to Support Women and Kid (TSWK)
- Warsheh Team
- Women for Peace